في شهر ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة، تمّ قتل واغتيال أحد زعماء ورجال اليهود وهو اليهودي كعب بن الأشرف، وتم قتله على يد جماعة من رجال المسلمين الذين كلفهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتلك المهمّة.
كعب بن الأشرف
كان كعب بن الأشرف أحد قادات وزعماء ورجال يهود قوم بني النضير، وقد قاد كعب بن الأشرف حرباً قوية وشرسة ضد المسلمين، وكثيرًا ما كان كعب بن الأشرف يصرّح بسبِ الذات الآلهية وشتم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفي كعب بالسب والشتم بل وأنشد أشعاراً وأبياتاً يهجوا فيها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
وأيضاً لم يكتف كعب بذلك الأمر، بل أنَّه كان يدعوا القبائل للإنقلاب على دولة ديننا الإسلامي الحنيف، حيث جاء إلى مكة المكرمة يدعوا فيها قوم قريش للإنقلاب على المسلمين وقتالهم، حيث بدأ يذكر المسلمين ويذاكر معهم قتلاهم في غزوة بدر، ولكنّه استمر أيضاً في عمل وفعل ما هو أشد من هذا بكثير.
وفي يوم سألته قريش عندما كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، حيث سألوه: ( هل ديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه، وأيُّ الفريقين ما هو أهدى سبيلاً)، ففي ذلك الأمر نزل الرد من الله سبحانه وتعالى، حيث أنزل آيات بينات وقال عز من قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً).. سورة النساء.
وكان ذلك القول الذي قاله كعب بن الأشرف لقبيلة قريش قد حفزهم وشجَّعهم على قتال المسلمين، حتى أن كعب بن الأشرف قد فعل أمورًا خرجت عن أدب العرب المعروف عنهم وعن فطرتهم الأخلاقية، سواء أكان ذلك في عصر إسلام العرب أو في عصر جاهليتهم، وكان يتكلم بصورة فاحشة في أشعاره وأبيات قصائده عن زوجات الصحابة الكرام رضي الله عنهنَّ وعن أزواجهن جميعًا.
قتل كعب
بعد عودة كعب بن الأشرف إلى المدينة المنورة، استمرَّ في محافظته على النهج الذي يفكر فيه في التعدي والهجوم على دين الإسلام والمسلمين، فكانت جميع الأعمال والأفعال التي قام بها اليهودي كعب بن الأشرف تتناقض بشكل كبير جداً مع الشروط العهود المعقودة بين المسلمين واليهود، وتلك الأحداث الغير أخلاقية جعلت المسلمين يفكّرون بشكل كبير في تصفية وقتل كعب بن الأشرف.
وفي يوم من الأيام كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يجلس مع رجال من المسلمين من أصحابه الكرام رضوان الله عليه وسلم ووقتها ذكر النبي للصحابة الكرام خبر كعب بن الأشرف والهجوم الذي يقوم به على دين الإسلام، وما يقوم به كعب من انتهاكات تجاة المسلمين عامة والصحابة خاصة.
عندها عرض النبي على من يقوم بقتله، حيث عرض الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله نفسه لهذه المهمة، ومن الأمور التي ساعدت على ذلك الأمر هو أن الصحابي محمد بن سلمة كان أحد الأصدقاء القدامى لليهودي كعب بن الأشرف في وقت الجاهليّة، وعرض الصحابي محمد بن سلمة نفسه أن يقوم بقتل كعب بن الأشرف مع جماعة من الأنصار من قوم الأوس، عندها وافق خير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر، وأمن ورخّص النبي له في أن يقول محمد بن سلمة من القول المكروه عن الإسلام والمسلمين والنبي أمام كعب بن الأشرف لطمأنته وتهدئته، ولتكون بداية الخطة للتخلص من كعب.
وجرت الخطة كما كان النبي يريد، فسار محمد بن مسلمة بتنفيذ الخطة بشكل سليم دون أخطاء، وقام بالذهاب إلى كعب بن أشرف وأخبره ما يقوم به النبي بظلم تجاه أهل المدينة المنورة، وأنّ النبي محمد قد زاد بشكل كبير في مقدار الصدقة التي فرضت عليهم، وطلب الصحابي الجليل محمد بن سلمة من كعب أن يقرضه بعض من الطعام، فقال له كعب بن الأشرف (أرهنوني نساءكم) فقال محمد والجماعة الذين معه: (كيف نقوم برهنك نساءنا وأنت من أجمل العرب)، فما كان من كعب إلّا أن قال: ( أرهنوني أبناءكم)، فردوا أن كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحد الأبناء فيقال رهن بوسق (ويقصد هنا رهان بدل كمية من الطعام)، فهذا الأمر عار علينا، فقد أرهن محمد بن سلمة اللأمة ( وتعني هذه الكلمة الأسلحة وعدّة الحرب).
وعندما حدث ذلك الاتفاق بين جماعة محمد بن سلمة وكعب بن الأشرف على أن يتم تسليم الأسلحة إلى كعب بدل كمية من الطعام، خرج الصحابي محمد بن مسلمة وأصحابه من عند كعب، وبعد ذلك جاؤوا إلى كعب في ليلة من الليالي، حيث كان كعب بن الأشرف يتحصّن في حصنه القوي المنيع، حينها نادى جماعة محمد على كعب فنزل إليهم وكان يملك في نفسه ثقة منهم، وفي لحظة امتدحت الجماعة عطر كعب وطلبوا أن يشموا العطر من رأسه فعندما وافق كعب على ذلك، قاموا بحمل سيوفهم عليه وقتله، وبعد ما أنهوا تلك الخطة بنجاح رجعوا إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروه بأنَّ الخطة انتهت بقتل كعب بن الأشرف.