قضاء الصّيام

اقرأ في هذا المقال


والقضاء هو: قيام المسلم بأحد العبادات في غير وقتها والتي لم يستطيع تأديتها في وقتها المحدَّد بسبب عذر شرعي .
وقضاء الصوم: يأتي بمعنى فعل العبد الأشياء التي فاتته من عبادات لم يفعلها في وقتها بسبب شيء يمنعه عن ذلك من موانع الصُّوم، أو هو أفعال وأقوال مخصوصة تفعل في غير وقتها المحدَّد لها؛ بسبب عذر شرعي.

وسنتعرف في هذا المقال على قضاء الصّيام وكفارته وفديته .
وقضاء الصوم يتفرَّع منه (لوازم القضاء): ويترتب على الإفطار سبعة أمور هي: القضاء، والكفارة الكبرى، والكفارة الصغرى “وهي الفدية”، والإمساك، وقطع التتابع، والعقوبة، وقطع النية .
(وحكم القضاء):يجب باتفاق الفقهاء القضاء على من أفطر يوماً أو أكثر من رمضان، بعذر كالمرض والسفر والحيض ونحوه، أو بغير عذر كترك النية عمداً أو سهواً، لقوله تعالى:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ)“البقرة:184”. والتقدير: فأفطر فعدة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:( كنَّا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ نطهر فيأمرنا بقضاء الصّيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة) . قال أبو عيسى هذا حديث حسن وقد روي عن معاذة عن عائشة أيضاً والعمل على هذا عند أهل العلم ولم نعلم بينهم اختلافاً إنّ الحائض تقضي الصّيام ولا تقضي الصَّلاة .
فيأثم المفطر بلا عذر شرعي، لقوله صلّى الله عليه وسلم:(من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة، ولا مرض، لم يقضه، صوم الدَّهر كلّه، وإن صامه)” رواه الترمذي”.

وقت قضاء الصّيام

ووقت قضاء رمضان؛ يكون ما بعد انتهائه إلى مجيء رمضان المقبل، ويندب تعجيل القضاء إبراءً للذِّمة ومسارعة إلى إسقاط الواجب، ويجب العزم على قضاء كل عبادة إذا لم يفعلها فوراً، ويتعين القضاء فوراً إذا بقي من الوقت لحلول رمضان الثاني بقدر ما فاته.
ويرى الشافعيَّة وجوب المبادرة بالقضاء، أي القضاء فوراً إذا كان الفطر في رمضان بغير عذر شرعي، ويكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوَّع بصوم.
وأمَّا إذا أخرّ القضاء حتى دخل رمضان آخر، فقال الجمهور: يجب عليه بعد صيام رمضان الداخل، القضاء، والكفارة (الفدية).
وقال الحنفيَّة: لا فدية عليه سواء أكان التأخير بعذر أم بغير عذر. وتتكرَّر الفدية عند الشافعية بتكرُّر الأعوام.
ولكن لا يجزئ القضاء في الأيام المنهي عن صومها كأيام العيد، ولا في الوقت المنذور صومه، مثل الأيام الأولى من ذي الحجة، ولافي أيام رمضان الحاضر؛ لأنَّه متعين للأداء، فلا يقبل صوماً آخر سواه.
ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحَّة صومه تطوعاً، كما تقدم.

كيفية قضاء الصوم

وكيفية قضاء الصّوم لا تختلف بأسباب القضاء، وعدم الصَّوم بالقضاء واحد في جميع الأحوال، ولأيِّ سببٍ كان. فعلى سبيل المثال:
1. إنّ من أفطر في رمضان عدَّة أيام ويرغب في قضائها بعد رمضان فله الخيار في أن يقضيها متتالية وراء بعضها أو أن يقضيها متفرِّقة فهذا يرجع لمقدرته، ولكن الأولى والمستحب هو قضائهم متتاليين.
2. وقد اتفقت الأئمة على جواز تأخير القضاء في أيِّ وقت من أيام السَّنة، وليس ملزم بالقضاء بعد رمضان مباشرةً، وكذلك اتفقوا على عدم التأخير في القضاء عندما يدخل رمضان بدون عذر فهو عليه إثم.
3. ومن دخل عليه رمضان دون أن يكمل ما فاته من رمضان؛ يكون قد ارتكب خطيئة أمّا إذا كان مريض من رمضان وفطر بسبب مرضه وما زال مريضًا ولم يشفى ودخل عليه رمضان فليس عليه إثم.

تتابع القضاء

اتفق أكثر الفقهاء على أنَّه يستحب موالاة القضاء أو تتابعه، ولكن لا يشترط التتابع والفور في قضاء رمضان، فإن شاء فرقه وإن شاء تابعه، لإطلاق النص القرآني الموجب للقضاء، إلا إذا لم يبق من شعبان المقبل إلا ما يتسع للقضاء فقط، فيتعين التتابع لضيق الوقت، كأداء رمضان في حق من لاعذر له.
ودليل عدم وجوب التتابع ظاهر قوله تعالى:(فعدة من أيام أخر)”البقرة184″. فإنَّه يقتضي إيجاب العدد فقط، لا إيجاب التتابع.
وشرط الظاهرية والحسن البصري التتابع، لما روي عن عائشة أنَّها قالت: (نزلت: فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقط: متتابعات.

حكم النسيان في صيام القضاء

إنّ حكم من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم، فلا يفطر بذلك وصيامه صحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)” متفق عليه”.
ولا فرق بين صيام رمضان أو القضاء أو النذر أو النافلة. وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. وقال مالك:(يفطر، لأنَّ ما لا يصح الصوم مع شيء من جنسه عمداً لا يصحُّ مع سهوه)، وقيل يفطر في الفرض دون التطوُّع.
وما ذهب إليه الجمهور هو الراجح للخبر السابق وهو عام في كل صيام، بل قد ورد ما هو أصرح من هذا الخبر، وهو ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه مرفوعاً:(من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفَّارة)،.
وإذا انتفى عنه وجوب القضاء في رمضان فهو في غيره أحرى بالانتفاء.
وأمَّا إن أفطر متعمداً في النفل فلا شيء عليه، لأنَّ المتطوع أمير نفسه. قال ابن عباس  رضي الله عنهما: (إذا صام الرجل تطوعا ثم شاء أن يقطعه قطعه … ) وهو مذهب أحمد والشافعي، وعن أبي حنيفة ومالك  أنَّه يلزمه إكماله بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر، فإن خرج منه بغير عذر وجب عليه القضاء، لقوله صلَّى الله عليه وسلم لعائشة وحفصة  لما أصبحتا صائمتين فأفطرتا:(أبدلا يوماً مكانه)”رواه أحمد”. والرَّاجح أنَّه لا يجب عليه قضاؤه وإن كان يستحب له ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إنَّما مثل صوم التطوُّع مثل الرَّجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها)“رواه مسلم  والنسائي واللفظ له”. ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم هانئ  وكانت صائمة فأفطرت:(أكنت تقضين شيئاً؟ قالت: لا، قال: فلا يضرَّك إن كان تطوعاً)” رواه سعيد بن منصور  في سننه”.
وروى أحمد  وغيره عن أم هانئ  أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر) ويستحبُّ لمن شرع في نفلٍ سواء كان صيام أوصلاة أن يتمَّه، لقوله تعالى:(ولا تبطلوا أعمالكم) “محمد: 33″،حتى وإن كان ذلك في صيام قضاء رمضان، فإنَّه يؤثم إذا قطع العبادة الواجبة وتلاعب بها . وهذا دليل الحديث المتقدِّم، فلا يضرك إن كان تطوُّعاً ، وعليه أن يقضي يوما مكانه.
وأمَّا الفطر عمداً في رمضان فهو من كبائر الذنوب، وإن كان بجماع وجبت الكفَّارة على مرتكبه إجماعاً، وإن كان بالأكل أو الشرب ففي وجوب الكفَّارة على فاعله قولان لأهل العلم:
الأول: وجوب الكفَّارة، وبه قال الحنفيَّة والمالكية لانتهاك حرمة الصَّوم في غير سبب مبيح للفطر، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان:(أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً)”رواه مسلم” .
الثاني: القول بعدم وجوب الكفَّارة، وإنَّما الواجب هو قضاء هذا اليوم فقط، مع التوبة من الذنب، ولا يصح قياس الأكل والشرب على الجماع، لأنَّ الحاجة إلى الزجر عنه أمس، والحكمة في التعدِّي به أكَّد، وهذا هو الراجح.
ومن أفطر ناسياً وكان يجهل الحكم بوجوب الإمساك فظن أنَّه لما أفطر لم يعد مطالباً بالصيام فأكل متعمِّداً فقد أساء، وكان الواجب عليه سؤال أهل العلم في ذلك قبل أن يقدِم على الأكل، ولا شيء عليه غير القضاء.

الإطعام في قضاء الصّيام أو دفع كفارته

يصحُّ دفع الصّدقة عن الأيام من رمضان، أوعن الأيام كلِّها لمن لا يستطيع الصّيام لزمانه، أو هرم؛ فإنَّه يجوز أن يدفع كفَّارة الأيام مقدماً في أول الشَّهر، ويجوز أيضاً أن يؤخِّرها في آخر الشَّهر، ويجوز في وسط الشهرأيضاً إن أراد كما أنَّه يجوز أن يدفعها جملة واحدةً، ويجوز أن يدفعها متفرِّقة، ويجوز أن يدفعها لثلاثين، ويجوز أن يدفعها لأقل من ذلك؛ فالعدد ليس مشترطًا أن يكون ثلاثين، وإنَّما يدفعها لجملة مساكين، أولجملة فقراء أو لفقير .
أمّا جمع المساكين على الطعام هو أن يصنع طعامًا يكفي عن ثلاثين يوماً أو عدد الأيام التي أفطر فيها ويجمع عليها المساكين.
الجمهور لا يجيزون هذا لأنَّ المطلوب تمليك المسكين هذا الطعام إن شاء بالأكل وإن شاء بالبيع وإن شاء بغيره فإعطاؤه الطَّعام غير مطبوخ أنفعُ له بالتصرُّف فيه، أمّا المطبوخ فلا ينتفع به إلا بالأكل.
وأجاز بعض العلماء أن يصنع طعامًا عن الكفَّارة، ويجمع المساكين ولكن كما ذكرنا الجمهور على عدم الجواز والتعليل؛ لأنَّه لا يتمكن المسكين من الانتفاع الكامل بهذا الشيء وإنَّما ينتفع به في الأكل فهو أضيق انتفاعًا من دفع الطعام غير المطبوخ والإنسان ينبغي له أن يحتاط في أمر دينه وعبادته ولا يجوز دفع النقود عن الإفطار في رمضان ولا يجوز دفع النقود عن صدقة الفطر لأنَّ الله تعالى نصَّ بالإطعام في كتابه العزيز:(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين)“سورة البقرة184” .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في صدقة الفطر:(عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَض رسول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم زَكاةَ الفِطرِ مِن رمضان صاعًا مِن تمرٍ، أَوْ صاعًا مِن شَعِير عَلَى العبدِ والحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنثى، وَالصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المسلِمِين)” رواه الجماعة” .
وفي رِوايَةٍ: “كُنَّا نُخرِج زكاة الفِطرِ إذ كان فِينَا رَسُولُ اللَّهِ الله صلّى الله عليه وسلم:( صَاعاً مِن طَعَام، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمر، أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أو صاعًا مِن زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَم نزل كَذلِكَ حتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَة المدِينةَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَرىمُدَّين مِن سمرَاءِ الشَّام يعدِل صاعا مِن تَمر، فَأَخذ النَّاس بِذَلِكَ”. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: “فَلا أَزال أخرِجه كَما كنت أخرِجه). “رواه الجماعة”.


شارك المقالة: