اقرأ في هذا المقال
تابع الصحابة رضي عنهم اهتمامهم بالقرآن، وقد ظهر ذلك واضحاً في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، فيما ثبت من الأصول النبوية للقرآن الكريم في المصحف، وهذا ما يسمى (الجمع الثاني للقرآن الكريم) ونبين ذلك كما يلي.
أولاً: تكاد تُجمع جميع الروايات الواردة أن سيدنا عمر رضي الله عنه اقترح على سيدنا أبي بكر بأن يجمع القرآن من الأصول النبوية ( فتردد أبو بكر أولاً، لأن ذلك أمر مُحدث، لم تكن له سابقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر أحرص الناس على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ومجانبة كل ما لم يفعله، ولكنه بعد نقاش مع عمر رضي الله اقتنع بصواب رأيه، وتجلى له وجه المصلحة فيه، وعلم أن ذلك الجمع، وإن لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، هو من أكبر وسائل حفظ القرآن الكريم وصيانته من الضيا، فأقدم على تنفيذ رأي عمر رضي الله عنه، مراعاة لتلك المصلحة، فأرسل إلى زيد بن ثابت يدعوه إلى كتابة القرآن الكريم، وجمعه في مكان واحد.
وفي ذلك يروي البخاري بسنده عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:
أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه.
ثانياً: لما شرع زيد رضي الله عنه في جمع القرآن بأمر أبي بكر رضي الله عنه، اعتمد على المصدرين الأساسين الذين قام عليهما حفظ القرآن بالتواتر استظهاراً وكتابة، وهما:
- أولاً: صُحف النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت ببيت النبوة، وهي الأصول وهي بمثابة التسجيل الكامل للقرآن، بآياته المتتابعة مجاورة أو إلحاقاً، وسورة المتكاملة وقراءاته.
- ثانياً: القرآن المحفوظ في الصدور استظهاراً، ومن بينهم القراءـ أي الحفظة، وكان عدد الحفظة كثيراً كما ذكرنا آنفاً، وخاصة أن من حفظ القرآن كان أمراً مطلوباً، وعملاً مرغوباً وهدفاً سامياً يسعى إليه الصحابة، وكانت الظروف تساعد على الإقبال على الحفظ كما بينا، ولهذا فإن المصدر بالحفظ كان لا يقل أهمية عن المصدر المكتوب وكلاهما.
- ثالثاً: الروايات، تكلمت الروايات إلى أن عمر رضي الله عنه طلب من بعض الصحابة أن يأتوا بما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، وذلك حين البدء في الجمع والتدوين، ولعل ذلك الطلب من عمر رضي الله عنه كان على سبيل الاستقصاء، والتثبت بمطابقة المكتوب بعضه على بعض، ولعل السبب هو جمع ما كان بأيدي الصحابة من النسخ الخاصة بهم، والتي كانوا يكتبونها لأنفسهم كمذكرات، يدونون فيها النصوص القرآنية، وما يحتاجونه من شروح أو تفاسير، أو ملاحظات، أو كانت السور غير مرتبة، وكانت مكتوبة حسب ترتيب النزول.
- رابعاً: مراعاة زيد في كتابة الصحف: راعى زيد في كتابة الصحف بأن تكون مشتملة على ما ثبتت قرآنيته بطريق التواتر، واستقر الأمر في العرضة الآخيرة، وأن تكون يتم ترتيب الآيات والسور جميعاً، وأن تكون مجردة عما ليس بقرآن من شرح أو تأويل، وتم جمع القرآن على هذا النحو من صدور الحفاظ، ومما كتبت بين يديه عليه السلام.