وكتب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كتباً إلى عدّة ملوك، وكان منها كتاب إلى المقوقس ملك مصر.
كتاب النبي إلى ملك مصر
وأرسل النبي كتاباً إلى المقوقس ملك مصر قائلاً فيه: (( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )… آل عمران.
واختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الصحابي حاطب بن أبي بلتعة ليكون مرسالاً لهذا الكتاب، وعندما دخل الصحابي حاطب على المقوقس ملك مصر قال له: (إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى (يقصد فرعون)، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك) .
عندها قال المقوقس ملك مصر: ( إنَّ لنا ديناً لن ندعه إلّا لمّا هو خير منه)، فرد عليه الصحابي حاطب بن أبي بلعته قائلاً له أننا ندعوك إلى دين الله دين الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، وإنّ هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد دعا الناس كلهم فكانت قبيلة قريش أشدهم على النبي، وأعداهم على النبي كانت اليهود، وأقرب الناس إلى النبي عليه الصلاة والسلام كانت النصارى.
وقد حلف الصحابي حاطب وقال بمعنى كلامه للمقوقس: لعمري ما بشارة سيدنا موسى بسيدنا عيسى إلا كبشارة سيدنا عيسى بخيرالخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما دعاؤنا لك إلى كتاب الله وكلامه القرآن الكريم إلّا مثل دعائك أهل التوراة إلى كتاب الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمةٌ له، فالحق له على أمته أن يقوموا بطاعته، وأنت أيّها الملك من أدركت هذا النبي، ولسنا من ننهاك عن عبادة دينك المسيح، ولكنَّا نأمرك به.
حينها ردّ ملك مصر المقوقس قائلاً إنّه قد نظر في أمر النبي محمد عليه السلام، فوجدته لا يأمر مزهود فيه، ولا يقوم بالنهي عن مرغوب فيه، ولم أجده ساحراً ضالاً، ولم أجده كاهناً كاذباً، ولقد وجدت معه دليلُ آية نبوته بإخراج الخبء، وأنّه أخبر بالنجوى، ولكنّي سأنظر .
وقام بأخذ كتاب سيدنا محمد ، فجعل الكتاب في حقٍّ من عاج، حتى ختم عليه، ودفعه إلى جارية عنده، ثمّ قام ودعا كاتباً عنده يكتب باللغة بالعربية، وكتب كتاباً إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال بمعنى قوله، نكتب إلى رسول الله : (بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أمّا بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أنّ نبياً بقي، وكنت أظن أنّه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم وبكسوة وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك ).
ولم يزد مقوقس ملك مصر على ذلك من الكلام شيء ولم يسلم (أي لم يدخل في الإسلام) ، والجاريتان اسمهما (مارية وسيرين) ، والبغلة بقية إلى زمن معاوية، حيث اتخذ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الجارية مارية زوجة له، وكانت مارية امرأة جميلة، حيث ولدت للنبي ابنة إبراهيم، وكانت الجارية الثانية سيرين من نصيب الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي عنه.
وتعتبر مارية القبطية من أمهات المؤمنين، وقد ولدت للنبي ابناً وهو إبراهيم، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية رضي الله عنها وأرضاها بعد أن أعتقها، وبعد زواجه منها أصحبت من أمهات المؤمنين، وتوفيت مارية القبطية في السنة السادسة عشر للهجرة النبوية الشريفة، حيث قام الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعوة الناس وجمعهم للصلاة عليها، وشهد جنازة سيدتنا مارية القبطية رضي الله عنها عدد كبير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنت أم المؤمنين إلى جانب ابنها إبراهيم رضي الله عنها.
فكانت هذه أحد الكتب التي أرسلها خير الخلق سيدنا محمد إلى الملوك، وكان الغرض منها نشر دين الإسلام بشكل ترغيبي مقنع لا بالترهيب والإجبار.