خشوع التابعين في صلاتهم:
إنّ التابعون من القرون المُفصلة، وكذلك أتباعهم رضي الله عنهم، لهم مواقف معينة في خشوعهم في صلاتهم، تدل على رغبتهم فيما عند الله تعالى ومن الأمثلة عليها ما يلي:
- خشوع عُروة بن الزبير في صلاتهِ رحمهُ الله: لقد كان عُروةً إذا خشعَ في صلاته كان خشوعهُ عظيماً، فقد ذُكر عنه أنه خرج من المدينة مُتوجهاً إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وعندما كان في وادٍ قرب المدينة أصابهُ أكلة في رجلهِ، ولم يصل إلى دمشق إلا وقد وصلت الأكلة إلى نصف ساقهِ، ودخلَ الوليدُ، فجمعَ له الأطباء، فأجمعوا على أنهُ إنّ لم يقطعها وإلا أكلت رجلهُ كلّها إلى وركهِ، وربما ترقّت إلى الجسد، فطابت نفسهُ بقطعها، وقالوا له: ألا نسقيك مُرقّداً، فقال: ما ظننتُ أن أحداً يشربُ شراباً، أو يأكلُ شيئاً يذهبُ له عقلهُ لكي لا يعرف ربه، ولكن إنّ كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة، فإني لا أحسُ بذلك ولا أشعرُ به، فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكانِ الحي احتياطاً حتى لا يبقى منها شيءٌ وهو قائم يُصلي، فما تألم ولا اضطرب، فلما انصرفَ من الصلاة عزاهُ الوليد في رجلهِ، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة، فأخذتُ واحداً، وأبقيت ثلاثة، فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنتُ قد ابتليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت.
- خشوع عامر بن عبد الله بن قيس في صلاته: لقد كان لهذا الرجل من الأخبار في الخشوع في صلانهِ الأخبار الكثيرة ومنها ما يلي:
– قيل له: أتحدثُ نفسك بالصلاة؟ قال: أحدّثها بالوقوف بين يدي الله تعالى ومُنصرفي أي إلى أي الدارين.
– وذكروا له بعض ما يجدونهُ في الصلاةِ من أمرِ الضيعةِ، فقال، أتجدونهُ؟ قالوا: نعم، قال: والله لأن تختلفُ الأسنةُ في جوفي أحبُّ إليّ من أن يكون هذا منّي في صلاتي.
– وعندما حضرتهُ الوفاة بكى، فقيل: ما يُبكيك؟ قال: ما أبكى جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيامُ الليل.
– وكان يُقرئ القرآن لمن يتعلمُ عنده، ثم يقوم فيصلّي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يُقرئ الناس إلى المغرب، ثم يُصلي ما بين العِشائين، ثم ينصرفُ إلى منزلهِ فيأكلُ رغيفاً، وينامُ نومة خفيفةً، ثم يقوم لصلاته، ثم رغيفاً ويخرج. - خشوع علي بن الحسين في صلاتهِ: حينما كان علي بن الحسين ينتهي من وضوئه لأجل الصلاة وصار بين وضوئه وصلاتهِ، أخذتهُ رِعدةٌ ونفضة، فقيل له في ذلك: ويحكُمُ أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي، وفي لفظ قولٍ: أتدرون بين يدي من أقوم ومن سأُناجي.
- خشوعُ مسلم بن يسار في صلاتهِ عليه رحمة الله: لقد قال عنه ابنه عبد الله بن مسلم: كان أبي إذا صلّى كأنهُ ودّ أي بمعنى وتدّ أي أنه لا يميلُ لا هكذا ولا هكذا. وقيلَ عنهُ أيضاً: كان يُخبر أهلهُ إذا دخل في الصلاة، تحدّثوا فلستُ أسمع حديثكم، وقيل أنه ذاتَ يومٍ وقع حريق في داره وهو يُصلّي، فلما ذُكروا له قال: ما شعرت.
- خشوع حاتم الأصّم رحمهُ الله في صلاتهِ: لقد كان حاتم لا ينطقُ إلّا بالحكمة، وكان خاشعاً لله تعالى في صلاتهِ، فمرّ عصام بن يوسف رحمهُ الله بحاتم الأصمّ يوماً وهو يتكلم في مجلسه، فقال: يا حاتم تُحسِن نُصلّي؟ قال: نعم، قال: كيف نصلي؟ قال حاتم: أقومُ بالأمرِ، وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلّم بالسبل والسنة، وفي لفظ: وأسلم بالنية، وأسلمها بالإخلاص لله تعالى، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني، واحفظه بالجهد إلى الموت، قال: تكلّم فأنت تُحسنُ تصلّي.
- قال الحسن رحمه الله تعالى: “إذا قُمت إلى الصلاة قانتاً، فقُم كما أمرك ربُك، وإيّاك والسّهو، أوالالتفات، وإياك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، وتسأل الله الجنة، وتعوّذ به من النار وقلبك ساهٍ ولا تدري ما يقول لسانك”.
- قال الفضيل بن عياض: كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه.
- خشوع الإمام البخاري رحمهُ الله في صلاتهِ: قال مسبح بن سعيد: كان محمد بن إسماعيل يختمُ في رمضان كل يومٍ ختمة، وكان يقوم بعد التراويح كل ثلاثُ ليالٍ بختمةٍ، وكان البخاري يُصلّي ذات يوم أو ذات ليلة، فلسعهُ الزنبور سبع عشر مرة، فلما أنهى صلاته قال: انظروا أي شيء آذاني في صلاتي، وقد قيل: إن هذه الصلاة كانت التطوع بعد صلاة الظهر، وقيل له بعد أن أكمل من صلاته: كيف لم تخرج من صلاتك حينما مالسعك الزنبور؟ فقال: كنت في سورةٍ وأحببت أن أتمّها.
قال مقسم بن سعد: كان محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجمعُ أصحابهُ ويُصلي بهم، ويقرأ في كل ركعةٍ عشرين آية، كذلك إلى أن يختم القرآن، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلثِ من القرآن، فيختمُ عند السحر في كل ثلاث ليالٍ، وكان يختم في النهار في كل يوم ختمةً، ويختمُ عند الإفطار كل ليلة، ويقول: إن عند كل ختمة دعوة مستجابة.