علامات الساعة تُعزز البشارة وتدفع اليأس:
إن من الملاحظ عليه عليه في علامات الساعة بأنها تُشير إلى تغيير حال الأمة من الناحية الدينية والاجتماعية والسياسية والنفسية عما كان عليه الرعيل، وأكثر النصوص تشير إلى انتكاسةً تُصيب المسلمين في دينهم بما يفضي أيضاً إلى ضياع دنياهم، وهي تحكي واقعاً نعيشه الآن بصورته المأساويةِ.
لذا فقد يرى البعض في أن طرحها يُفضي إلى اليأس، أو الشعور بالعجز، وهذا فهم سقيم لطبيعة العلامات والغرض من إيرادها، بل على العكس إن معرفتنا لهذه العلامات التي تصور واقعنا بصورة كاملة يتضمن البشارة لنا من بعض الوجوه، ومنها:
الوجه الأول: لقد علمنا بانّ ما نعيشه من واقع أليم سبق أن وصفة الرسول الكريم بدقة يعزز فينا الشعور بالانتماء للدين وعدم الشعور بالانقطاع عن الوحي، وهذا ما يحاول أعداء الله سبحانه وتعالى أن يبثوه في قلوبنا، حيث يعزرون فكرةً أن الأديان خدعة وأن الواقع تغير والأصل في الإنسان أن يشق طريقه في الحياة دون النظر إلى الوراء.
وهذه المعاني يحاول أعداء الله بثها بيننا على اعتبار أن هذا العصر هو قفزةً جديدة للبشرية لم يسبق للإنسان القديم تصور وقوعها، لذا تأتي علامات الساعة لتبرز لنا أن هذه المرحلة ليست بدعاً من الزمان، وهي مرحلة معلومة سبق أن بينها الوحي ليبرز لنا مجريات صراع الحق والباطل في آخر الزمان، وهذه الصورة لعلامات الساعة والتي تتضمن تحذيرات وتوجيهات للمسلم في تلك المرحلة هي عين البشرى، وتعزز عند المسلم الرؤية السليمة للواقع بانحرافاتهِ وطرق السلامة منه.
الوجه الثاني: ذكر العلامات مقرونةً بتوجيهاتٍ نبوية للنجاة، أو ذكر الداء مقروناً بالدواء الشافي والعلاج الوافي هو عين البشرى للأمة؛ لأن وضع شفاء لشيء هو نوع بشارة بالشفاء منه.
الوجه الثالث: توصيف دقيق للواقع وموقف الوحي من تفاصيل هذا الواقع يخرج المسلم من حيرته؛ حيثُ يكون عنده تصور مفصل من الوحي لكل جزئيةٍ تعرض عليه، وبذا لا تختلط عنده الأوراق، ولا تتداخل عنده تصورات كما حصل مع الأمم السابقة، لذا يمكن اعتبار علامات الساعة بمثابة أنبياء متكررين في الأمة كما كان عند بني إسرائيل، حيثُ كان يتعاقب عليهم الأنبياء مبرزين مواطن الخلل ومنهج النجاة لكل مرحلة.
الوجه الرابع: إن من الملاحظ على علامات الساعة أنها لم تقتصر على توصيف الواقع فقط، بل تضمنت العلاج من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى تضمنت كثيراً من المبشرات الدالة على أنّ هذا الواقع سيتغير، بحيث تكون العاقبة للمتقين، وهذه المبشرات تبث الأمل في نفس المؤمن وتعزز عنده الصبر،، وتحرك فيه كوامن الاستعداد للتغير من هذا الواقع الأليم.
الوجه الخامس: إنّ العلامات التي تصفُ حال الأمة وتُشير إلى ما ستمر به إنما هو امتداد طبيعي لمجريات صراع الحق والباطل وسننه منذ بداية البشرية، أيّ هي مرحلة طبيعية من هذا الوجه بالذات يتفق وطبيعة الحياة الدنيا حيث إنها مزرعة للآخرة، ودار للمحنِ والابتلاءات والاختبارات؛ لذا لا يتصور بقاء أمة على حالها الذي كانت عليه مع نبيها، بل يتغير الحال بعده؛ ليأخذ الابتلاء والاختبار صوراً جديدة، وهذا المعنى أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: “ما مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ في أُمَّةٍ قَبْلِي إلَّا كانَ له مِن أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ، وأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بسُنَّتِهِ ويَقْتَدُونَ بأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّها تَخْلُفُ مِن بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يقولونَ ما لا يَفْعَلُونَ، ويَفْعَلُونَ ما لا يُؤْمَرُونَ، فمَن جاهَدَهُمْ بيَدِهِ فَهو مُؤْمِنٌ، ومَن جاهَدَهُمْ بلِسانِهِ فَهو مُؤْمِنٌ، ومَن جاهَدَهُمْ بقَلْبِهِ فَهو مُؤْمِنٌ، وليسَ وراءَ ذلكَ مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ. قالَ أبو رافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ فأنْكَرَهُ عَلَيَّ، فَقَدِمَ ابنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بقَناةَ فاسْتَتْبَعَنِي إلَيْهِ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ يَعُودُهُ، فانْطَلَقْتُ معهُ فَلَمَّا جَلَسْنا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عن هذا الحَديثِ، فَحدَّثَنيهِ كما حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ. قالَ صالِحٌ: وقدْ تُحُدِّثَ بنَحْوِ ذلكَ عن أبِي رافِعٍ”. صحيح مسلم.
فهذا الحديث يُشير إلى أنّ تغير الحال عما كان عليه النبي وصحابته هو سنة عامة منذ خلقت البشرية، وبسببها تتجدد صور الاختبار والابتلاء الذي يُميز المحق من المبطل، وأهلُ الجنة من أهل النار، يقول تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” العنكبوت:2. وقوله تعالى: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” البقرة:214.
بعض سنن الابتلاءات والاختبارات:
إذا سنن الابتلاء والاختبار تقتضي هذا التغير، والأمم السابقة كان لها حظ عظيم من هذه الابتلاءات، لكن ابتلاءات هذه الأمة مهما بلغت فهي أهون من الأمم السابقة في عدة أمور منها ما يلي:
1. إنها مهما بلغت في صنوف المحن والابتلاءات هي أهون من ابتلاءات الفئة المؤمنة في الأمم السابقة التي كان ينشر الرجل المؤمن فيها بالمنشار من مفرق رأسه إلى رجليه، أو ما يفرق ما دون لحمه وعظمه لا يثنيه ذلك عن دين الله ومنهم من خُدت له الأخاديد وأحرق بالنار وإلا كيف سيستحقُ المؤمن الجنة وبالمقابل يكون غيره في النار. بل هو أخف من ذلك، ولم أسمع في علامات الساعة من نشر بمنشار إلا الرجل الذي يواجه الدّجال، وبالرغم من حصوله له إلا أنه نال به ثلاثة أمور:
– درجة أعظم الشهداء على الأرض.
– حرمان الدّجال من التسلط عليه بعد ذلك بنصرةٍ خاصة من الرحمن.
– عجلّل له الدّجال بدخول الجنة عندما ألقاهُ في ناره الوهميةِ.
2. إنّ هذا التغير لا يصل لدرجتهِ المطبقةِ الشاملة كما حصل مع الأمم السابقة، حيثُ تمرُ مرحلة تُحرف فيها معالم الدين، وتختلط فيها الضلالات، أما أمة الإسلام فقد حفظ الله تعالى لها كتابها إلى يوم القيامة، وسخر من يحفظ لها هدي رسولها عبر القرون، ويسرَ بقاء طائفةٍ على الحق منصورةً إلى يوم القيامة، وسخر من يحفظ لها هدي رسولها عبر القرون، ويسرّ بقاء طائفةٍ على الحق منصورةً إلى يوم القيامة، ويسر لها من يجدد لها دينها عبر القرون، وخصها بخصائص كثيرةً دون الأمم كحصول المغفرةِ والتجاوز عن الخطأ والنسيان ومضاعفة الحسنات، وخفف عنها التكاليف مقارنةً بالأمم السابقة. وأراد الله لها اليسر وكره لها العسر، وعفا لها عن حديث النفس والوساوس والهواجس وجعل في مقومات دينها وعِباداتها ما يجدد فيها الإيمان بصورة دائمة.
3. إن الحكمة من الابتلاءات والفتن إضافةً لتدقيقِ والاختبار والتزكية والترقية لأهل الله بنيلِهم أعلى الدرجات يوم القيامة، لذا تضاعف لهم الأجور، حيث يكون أجرُ الصابر في أيام الصبر بخمسين من أجر الصحابة واستحق أهل ذلك الزمان أن يوصفوا بأنهم أخوة النبي عليه الصلاة والسلام بينما الذين رافقوه استحقوا لقب الصحبة فقط، واستحق العشرة فوارس الذين يستطلعون خبر الدّجال لقب خير الفوارس، بل كرمت خيولهم لأجلهم.