كيف تكفل زكريا عليه السلام مريم؟

اقرأ في هذا المقال


كفالة زكريا لمريم عليهما السلام:

يقول الله تعالى: “فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ آل عمران:37. قد عرفنا القبول الحسن والإنبات الحسن أما في قوله تعالى: “وكفلها زكريا” فهذا يعني أن ألمسالة جاءت من أعلى، إنه الرب الذي تقبلها بقبول حسن وهو الله سبحانه وتعالى الذي أنبتها نباتاً حسناً إذن، فرعاية زكريا عليه السلام لها بأمر من الله، والدليل على ذلك أنك ساعة تجد قرعة أو سهاماً فالناس تكون قد خرجت من مراداتها المختلفة إلى مراد الله، فعندما نختلف على شيء، فإننا نجري قرعة ويخصص سهم لكل مشترك فيها، ونرى بعد ذلك من الذي يخرج، ذلك لنمنع هوى البشر؛ وهذا ما حدث عند كفالة زكريا لمريم، وقال الله تعالى: “ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ”آل عمران:44.
إذن فالكفالةُ جرى فيها تنازعٌ، ودليلُ ذلك أنهم اتفقوا على إجراء قرعةً بالنسبة لكفالة مريم ولا يمكن أن يلجأوا إلى هذه القرعةِ إلا إذا قدّ حدث تنازع بينهم عن: “أيُهما يكفلُ مريم” ومن فضل الله أن زكريا كانَ متزوجاً من إشياع أخت حنّة التي هي أم مريم فهو زوج خالتها، وقولهِ “أقلامهم” أي أن القداح التي كانوا يصنعونها قديماً أو الأقلام التي كتبوا بها التوراة، فرموها في البحر، فمن طفى قلمهُ فازَ بِكفالة مريم، ومن غَرِق قلمهُ في البحر لم يَفُز بكفالة مريم.
وفهم خرجوا عن مُرادتهم إلى مُراد الله تعالى، والخروج من المُرادات والخروج عن الأهواء كالقرعةِ مثلاً، ولا يوجد في النفس غضاضة لكن لو كان سيأخذ رعاية مريم بالقوة والغصب لكانت نفوس الآخرين ممتلئةِ بالمرارة أو الغضب، ولذلك فقد كان سائداً في ذلك العصر عملية إجراء السهام إذا ما خافوا أن يقع الظلم على أحد أو أنّ يُساء الظن بأحد. وقوله تعالى: “وكَفّلها زكريا” أي يُرشدنا إلى أنّ زكريا عليه السلام، هو الذي كان يقوم برعاية شؤون مريم عليه السلام.

وفاة زكريا عليه السلام:

لقد توفي نبي الله زكريا عليه السلام قتلاً، فقد قتلهُ اليهود المُجرمون، وقيل في سبب قتله إنه حينما شاع الخبر في بني إسرائيل أن مريم عليها السلام حامل واتهمها بعضُ الزنادقة بشخصٍ يُدعى يوسف النجار الذي كان يتعبّد معها في المسجد، واتهمها أشخاصٌ آخرون بزكريا عليه السلام، لذلك واتفقوا على قتله، فأمسكوا به ثم نشروهُ بالمنشار، وقُتل عليه السلام ظلمًا على أيدي اليهود المجرمين ومات شهيدًا صلى الله عليه وسلم.
وقيلَ في سبب قتلهِ قولٌ آخر وهو أنه لما قُتلَ ابنه يحيى بن زكريا عليهما السلام بأمر الملِكِ الظالم حاكم فلسطين “هيرودس”، فقد أرسل هذا الملِك في طلب أبيهِ زكريا عليه السلام فاستَخفى عليه السلام منهم، فدخل بستانًا ومرّ بشجرة عند بيت المقدس، فنادته الشجرة بمشيئة الله وقالت له: هلمَّ إليَّ يا نبي الله، فلما أتاها عليه السلام إنشقت بقدرة الله ومشيئتهِ، فدخل فيها وانطبقت عليه وبقي عليه السلام في وسطها، فأتى عدو الله إبليس اللعين فأخذ هُدْبَ رداء زكريا عليه السلام فأخرجهُ من الشجرةِ ليُصدقوه إذا أخبرهم.
ثم بعد بذلك لقي القوم الذين خرجوا في طلب زكريا عليه السلام وكان يأتي عليهم بصورةِ رجلٍ وقال لهم: ماذا تريدون؟ فقالوا: إننا نبحثً عن زكريا، فقال لهم: فقد سَحَر هذه الشجرةِ فانشقت لهُ فدخلها، فقالوا له: لا نصدقك، قال لهم: فإنّ لي علامةً تصدقونني بها، فأراهم طرفُ ردائه فأخذوا الفؤوس وقطعوا الشجرة وشقوها بالمِنشار فقُتل نبي الله زكريا فيها ومات شهيدًا، وقد سلّط الله تعالى عليهم أخبثُ أهل الأرض فانتقم منهم، والله عزيزٌ ذو انتقام.
وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم عن جرائم اليهود وقتلهم الأنبياء قال تعالى: “أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ” سورة البقرة:87. وقال الله تعالى أيضاً إخبارًا عن هؤلاء اليهود الكفرة الذين قتلوا الأنبياء:“فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً” سورة النساء:155.


شارك المقالة: