كيف أوحي إلى رسول الله القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


من المعروف أنَّه ليس من شأن أي إنسان التلقي عن الله مباشرة، وقد جاءت الكثير من النمصوص تثبت ذلك وأولها القرآن، وقد بين السبل التي يُبلغ الله بها كلامه للمصطفين من البشر، قال الله تعالى ﴿۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤء حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولࣰا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمࣱ﴾ [الشورى ٥١] .

ثمَّ قال تعالى بعدها ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ (٥٢) صِرَ ٰ⁠طِ ٱللَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَاۤ إِلَى ٱللَّهِ تَصِیرُ ٱلۡأُمُورُ (٥٣)﴾ [الشورى ٥٢-٥٣] .

فهذه الآيات تُبين أن هناك عدّة طرق لتبليغ المعرفة الإلهية وهي :

طرق تبليغ المعرفة الإلهية:

لغة: يقال وحيت إليه وأوحيت إليه: إذ كلمته بما تُخفيه عن غيره ﴿وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِی مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتࣰا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا یَعۡرِشُونَ﴾ [النحل ٦٨] (أساس البلاغة – الزمخشري) والوحي : الإشارة السريعة، ويكون على سبيل الرَّمز والتعريض،فمادَّة الكلمة تدل على معنيين أصليين هما (الخفاء- والسُّرعة) كم قال تعالى ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ أَن سَبِّحُوا۟ بُكۡرَةࣰ وَعَشِیࣰّا﴾ [مريم ١١].

قال الإمام الطبري عند تفسير هذه الآية: فخرج على قومه من مصلاه حين حُبس لسانه عن كلام الناس، يقول أشار إليهم، وقد تكون الإشارة باليد وبالكتاب .

وهذا المعنى اللغوي للوحي يشمل :

المعنى اللغوي للوحي يشمل:

  • الإلهام الغريزي: كالوحي إلى النحل؛ قال تعالى ﴿وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِی مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتࣰا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا یَعۡرِشُونَ﴾ [النحل ٦٨] عن مجاهد قال : ألهمها إلهاماً.

  • الإلهام الفطري؛ كالوحي إلى أم موسى ﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَرۡضِعِیهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَیۡهِ فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤۖ إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ [القصص ٧] قال قتاده : قذفنا في قلبها .
  • وسوسة الشيطان وتزيينه الشَّر في نفس الإنسان: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوا۟ مِمَّا لَمۡ یُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقࣱۗ وَإِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ لَیُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕهِمۡ لِیُجَـٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام ١٢١] قال الإمام القرطبي عند تفسيره للآية : أي يوسوسون فيلقون في قلوبهم الجدال بالباطل .
  • الإشارة السَّريعة على سبيل الرمز، كإيحاء زكريا عليه السلام لقومه ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ أَن سَبِّحُوا۟ بُكۡرَةࣰ وَعَشِیࣰّا﴾ [مريم ١١] قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية : قال الكلبي وقتادة وابن منبه: أوحى إليهم – أشار.
  • أو ما يُلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه ﴿إِذۡ یُوحِی رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ أَنِّی مَعَكُمۡ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۚ سَأُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُوا۟ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُوا۟ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانࣲ﴾ [الأنفال ١٢] نقل ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير عند هذه الآية قال ابن عباس: وهذا الوحي إلهام .

الوحي اصطلاحاً.

هوما يُلقيه الله تعالى على قلب نبي من الأنبياء بواسطة ملك أو غير ملك وأمين الوحي هو جبريل. (معجم المعاني الجامع – كلمة : وحي)

ووحي الله إلى أنبيائه قد روعي فيه المعنيان الأصليان لكلمة الوحي وهما: الخفاء والسرعة، وهذا معنى المصدر للكلمة .

ويجب التفريق بين الوحي والإلهام .

أنواع الوحي:

للوحي ثلاثة انواع ذكرها الله في كتابه العزيز عند قوله تعالى ﴿۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولࣰا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمࣱ﴾ [الشورى ٥١] .

النوع الأول: إلقاء المعنى في القلب.

ويعبر عنه بالنفث في الروع، كما جاء عن حذيفة بن اليمان:رضي الله عنه قال : قام النَّبيُّ ﷺ فدعا النّاسَ فقال هلُمُّوا إليَّ فأقبلوا إليه فجلسوا فقال هذا رسولُ ربِ العالمين جبريلُ ﷺ نفَث في رَوْعي أنَّه لا تموتُ نفسٌ حتّى تستكمِلَ رزقَها فإنْ أبطأ عليها فاتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ ولا يحمِلنَّكم استبطاءُ الرِّزقِ أن تأخذوه بمعصيةِ اللهِ فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عنده إلّا بطاعتِه

المنذري (٦٥٦ هـ)، الترغيب والترهيب ٣/١٠

النوع الثاني: الكلام من وراء حجاب.

وهو أن يُسمع الله كلامه من حيث لا يراه كما جاء عن سيدنا موسى عليه السلام نداء من وراء الشجرة قال تعالى ﴿فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ مِن شَـٰطِىِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَیۡمَنِ فِی ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَـٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّیۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [القصص ٣٠]

النوع الثالث: هوما يُلقيه ملك الوحي المرسل من الله تعالى إلى رسوله.

فيراه متمثلاً بصورة رجل أو غير متمثل ويسمعه منه أو يعيه بقلبه  قال تعالى ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ﴾ [الشعراء ١٩٣].


شارك المقالة: