اقرأ في هذا المقال
- تدريب موسى عليه السلام على استعمال العصا
- واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء
- ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين
تدريب موسى عليه السلام على استعمال العصا:
قال تعالى: “وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ“ القصص:31. ما هذه الظاهرة العجيبة، في البداية النار اشتعالاً في الشجرة والشجرةُ تزداد اخضراراً، لا النار تحرق الشجرة، ولا الخضرة تُطفئ النار، ويأتي الكلام؛ كلام الله من كل جانب، وبعد ذلك العصا التي تنقلب إلى أفعى مع أن العصا أصلها فرعٌ من شجرة جاف، فكان من الممكن أن تكون المعجزة بأن تنقلب العصا شجرةً خضراء؛ لأن الشجرة من جنسها، ولكن العصا هنا تعدت مرحلة النباتية، وذهبت إلى مرحلة الحيوانية، وليست الحيوانية الهادئة العادية، ولكنها انقلبت ثعباناً بكل ما في الثعبان من صفاتٍ، وأمام هذا المنظر المرعب ولّى موسى عليه السلام مُدبرّاً أي جرى إلى الخلف فناداه ربه: “يا موسى أقبل” أي ارجع ثانيةً ولا تخف، واعطى له القضية التي يجب أن يصحبها موسى في كل تحركاته في الدعوة: “إنّك من الأمينين” لم يقل له الحق سبحانه: أنت هنا في أمان، ولكن قال له: “إنك من الأمنين” فهي قضية مستمرة طمأنه الله بها؛ لأنه في معية الله، فماذا ستفعل أمام فرعون؟ ولذلك جعل الله لموسى دربةً معه، وجعل له دربةً مع فرعون وخاصتهِ؛ ليعده للجولة الأخيرة مع فرعون وخاصته وجمهوره والسحرة والقوم كلهم؛ فكان لا بدّ أن يؤنسه مرةً ومرة، حتى يقبل على مواجهة المواقف بلا خوف ولا وجلٍ، ويثق من نصر الله وتأييده له.
لقد انتفع موسى عليه السلام بهذه المواقف كلها، لذلك لما جاء قوم فرعون وراءه وأخذ يدركونهُ حينما خرج من مصر ببني إسرائيل، ماذا قال أصحاب موسى عليه السلام؟ قالوا: “إنّا لمدركون” فلما قالوا ذلك قال موسى بملءٍ فيه: “كَلا إنّ معي ربّي سيهدينِ” الشعراء: 62. قال هذا الكلام من الرصيد الموجود عنده من وعد الله له بالتأييد والنصر.
واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء:
قال الله سبحانه وتعالى: “وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ” طه:22. اليد معروفة، والجناح معروف أنه للطير، ويُقابلهُ في الإنسان الذرعان، والحق سبحانه وتعالى حين يوصينا بحسن معاملة الوالدين يقول تعالى: “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا“ الإسراء:24. فالله تعالى يأمر موسى عليه السلام أن يُدخل يدهُ من جيب القميص ثم يُخرجها، وساعة يخرجها ستعطي ضوءاً وبريقاً ولمعاناً، وموسى كان لونه مائلاً إلى السمرةِ، ولذلك النبي صلّى الله عليه وسلم حينما وصف الرسل الذين لقيهم في المعراج قال: أما موسى فرجلٌ آدم أسمر طوال كأنهُ من رجال أزد شنؤءةٍ. ومعنى طوال أي زائد الطول، وأزد شنوءةٍ هي قبيلةٌ معروفة بطول رجالها ولونهم الأسمر.
وفي آيةٍ أخرى يقول الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: “اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ” القصص:32. فهذه لقطات مختلفة حتى تكتمل الصورة. وإذا كان لون موسى عليه السلام أسمر، فإن بياض يدهِ كان له شعاع وبريقٌ يخطف الأبصار، وأحياناً البياض حين يأتي مع السمرة، قد يكون مرضاً كالبرص مثلاً؛ ولذلك الحق سبحانه يُبعد هذا الأمر قال عن يد موسى: “بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ” طه:22.
إذن هناك بياضٌ على سمار ولكن بسوءٍ ومعنى: “لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى” طه: 23. أي نريك من المعجزات والآيات العجيبة التي عندنا لنثبتط بها حتى تفهم أن الذي أمرك بذلك إله، فإياك أن تخاف أو تهتز، فالحق تعالى سيرسل إلى فرعون، وسيواجه في ذلك مشكلات عديده تحتاج إلى شحنة قوية من اليقين والتثبيت.
ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين:
قال تعالى: “وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ” الأعراف:108. فكلمة نزع تدل على أنه إخراج بعنفٍ وبعسر؛ لأن الشيء السهل لا يقال: نزعته، ولكن يُقال خلعتهُ، إنما النزع يدل على مقاومةٍ “ونزعَ يدهُ” يدل على أن يده كان لها وضعٌ خاص، وكانت في مكان ٍ هو حريص على وجودها فيه، وفي آيةٍ أخرى يقول الحق تعالى: “وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ” النمل:12 وهكذا أوضحت لنا هذه الآية الصورة. ففي قوله تعالى: “ونَزعَ يدهُ” لم يُبين لنا أنه أدخلها ثم نزعها، ولكن في الآية الأخرى بين الإدخال والنزاع، وفي آية الثالثة قال: “وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ” أي إلى جيبك.
ما هو الإعجاز في بياض اليد:
إن الإعجاز هنا لكي يقع لا بد أن يكون موسى أسمر اللون وبذلك يكون البياض في يده مخالفاً للون جسمه، ولكن قوله تعالى: “بَيضاءُ للناظرين” أي بياضها ليس مجردُ اختلافٍ في اللون، ولكنه يُلفت أنظار الموجودين، إذن فلا بدّ أن تكون يدّ موسى بيضاء، بحيث أن الضوء الصادر منها يجذب أنظار كل الموجودين في المكان، ولكن بعض الناس قد يقول: إن يدّ موسى ابيضت بسبب مرضٍ أصابه، كأن يكون مصاباً بداء البرص مثلاً فتبيض يده.