كيف عادوا إخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم بدون أخيهم؟

اقرأ في هذا المقال


عودة إخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم بدون أخيهم:

لقد عاد أولاد يعقوب عليه السلام إلى أبيهم بدون أخاهم وأخذوا يتعللوا ويعتذروا لأبيهم، ولكن كان الرد من الأب حاسماً إذ قال لهم: “بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا” يوسف:83. وهذا يدل على أنه ما زال في نفسه شك منهم “سولت” بمعنى سهلت ويسّرت وزينت، “لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا” أي تخفون شيئاً دبرتموهُ ولا أعرفه، ولماذا قال لهم: “بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا” لأن الأشياء التي تخاف منهج الله، ويستحي منها الإنسان ويخشى عاقبتها، تستعصي على النفس فلا تقبل حدوثها؛ لذلك فإن النفس تحتاج لتبريرات، كي تطاوع صاحبها في الفعل، ولذلك فإنه حين يبدأ الإنسان في الإثم، يكون متردداً خائفاً، يحاول أن يفعل الشيء فتمنعهُ نفسهُ ولا تطاوعه، ولكن عندما يسهلهُ لها وييسره ويزينه، تقدم النفس عليه بسهولة دون التردد وصعوبة التنفيذ.
فالله تعالى ذكر في هذه الآية في آية أخرى، ولكن التعقيب في الآية نحن بصدها، يختلف في التعقيب عن الآية الأخرى، يعقوب حين أبلغهُ أبناؤه أن يوسف عليه السلام أكله الذئب، قال: “ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ” يوسف:83. هذا في قصة الذئب ويوسف، أما في في قصة بنيامين شقيق يوسف فقد قال:”بل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا” ففي الآية الأولى قال: “فصبرٌ جميلٌ” وهذا يدل على أن الأحداث لن تقف عند هذه النهاية، بل ستحدث تطورات تحتاج إلى الصبر الجميل، والذي لا يكون فيه شكوى، لم يقل يعقوب عسى الله أنّ يأتيني بهم، ولكن في هذه الآية قال: “فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا” فكأن نسمات الفرح جاءت على يعقوب النبي ووضعت في نفسه، ما يؤكد له بأن الله تعالى سيأتيهِ بأولاده جميعاً ويجزيه خيراً على صبره، الذين ليس لهم درايةً كاملة بالقرآن الكريم يأخذون آية ويتركون أخرى يقولون: قال تعالى: “عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا” بينما هما يوسف وبنيامين، تقول لهم: أنتم نسيتم كبيرهم الذي قال: “فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِ” يوسف:80. إذن فهناك ثلاثة: يوسف، أخوة بنيامين، الأخ الكبير، فلابد من استخدام صيغة الجمع.
وقوله تعالى: “إنّهُ هُو العليم الحكيمُ” العليم الذي لا يغيب عن علمه سبحانه شيء، فهو يعرف مكان يوسف وبنيامين والأخ الأكبر، وحكيم فيما يجري علينا من أقدار. لما جاء أولاد يعقوب وقالوا ما قالوا، ماذا كان موقفه منهم، فقال تعالى: “وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ” يوسف:84. “وتولى عنهم” تأتي عندما يأتيك أحدهم بخير مُحزنٌ، فتتركهُ ليخلو بنفسك، كذلك خلا يعقوب بنفسه؛ لأنه يتحسر على يوسف وأخيه وهو لا يريد أن يُظهر الحزن والأسى لأحدٍ من خلق الله تعالى؛ لأنه قال: “قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ” يوسف:86. لذلك قال له أحد إخوانه، وهو يرى ما فيه يعقوب من حزنٍ بليغ: تهشمتُ يا يعقوب، ولم تبلغ سنّ أبيك إسحاق، قال: إنما هشمني يوسف، فعتب الله سبحانه وتعالى عليه هذه الكلمة، وقال له أتشكو ربك لخلقه؟ فرفع يعقوب يديه إلى السماء وقال خطيئةٌ أخطأتها يارب فاغفرها لي، فقال له الله تبارك وتعالى: غفرتُ لك، وكان يعقوب لا يشكو إلى الناس ولكن يشكو إلى الله.
معنى كلمة “يَا أَسَفَىٰ” إنّ هذه الكلمةُ تُسمع يا أسفا ويا ويلتا، فهذا نداءٌ لشيءٍ محزن، ولكن هل أنت تنادي المُصيبة، فهناك ساعاتٌ تضييق فيها النفس، وأيضاً معناها هي يا أسف هذا أوانك فاحضر، ولكنه أبدى حزنه على يوسف، بينما الذي ضاع منه هو بنيامين وابنه الأكبر، فلماذا لم يظهر الحزن عليهما وأظهرهُ على يوسف؛ لأن يوسف عليه السلام هو قاعدة كلُ هذه المصاعب، وهو أصل الحزن، كيف بنيامين أخذ بسببه والكبير قعد بسببه، ولقد كان وجود بنيامين عزاءً وسلوى ليعقوب النبي، ولكن عندما ذهب بنيامين، خيمَ الحزنُ على الإثنين؛ لأنه انحرم منهما، فقال تعالى: “وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ” ومعنى ابيضت أي أنّ بياض العين تحول إلى سواد، وأن الإنسانُ إذا امتلئت عيناهُ بالدموع، فإنها تُحدث غشاء على سواد العين، فيبدوا أبيض فكأن عينيه ابيضتا من الحزن وكثرة الفراق وألمه. “فَهُوَ كَظِيمٌ” إن الكظم في الحزن، هي إنفعالات عاطفية ولا يستطيع أحدٌ أن يمنعها، لا بل هي تقدر عليه، لذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عنما مات ابنه إبراهيم دّمعت عيناه فقال له الصحابةِ: ألم تنهنا عن ذلك يا رسول الله؟ قال: إن العين لتدمع والقلبَ ليحزن وأنا على فراقك يا إبراهيم لمحزون. فكأن يعقوب أبقى حزنه في قلبه وكظمهُ كما تكظم القربة فلا يسقط منها شيء.

ماذا فعل يعقوب عليه السلام حينما فقد يوسف وبنيامين عليهما السلام؟

يقول الله تعالى: “قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ” 85. من الذي قال إن يعقوب عليه السلام تولى عنهم واعتزلهم، وقال: “يا آسفى على يُوسُف” ساعةً قال له: ستظلُ تذكرُ يوسف وتحزن عليه حتى تموت؟ فكأنهم ساعةً سمعوه يذكرُ يوسف، قالوا هذا الكلام، والحرض: هو الإشراف على الهلاك، أي أنهم قالوا: إنّ يعقوب من حزنه سيُشرفُ على الهلاك، ثم يكون من الهالكين فعلاً، وهنا ردّ يعقوب عليهم قائلاً: “قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله” أي لا شأن لكم عندي، واتركوني لوحدي وشكوى العبدُ إلى الله هي من تمام العبودية لله؛ لأن الله هو الأعلى، فإذا ما أصاب العبد وهو الأدنى سوء يفزع إلى خالقهِ سبحانه وتعالى، والشكوى هنا نوعان وهي تودد وتقرب إلى الله بالطاعات لعلّ الله يصرف عنه السوء. والنوع الآخر الذي يتأبى على الله ويسخطُ على ما وقع عليه، ولا يشكو الأمر لله، ولكنهُ يشكو الله إلى خلقه، ويتأبى على الطاعة ويزداد في المعصية.
يقول يعقوب لأولادهِ: “يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ” فنلاحظ هنا أنّ المسألة لم تعد يوسف وأخاهُ؛ لأنهم أصبحوا ثلاثة، يوسف وأخوهُ من ناحيةٍ والأخُ الأكبر الذي قال: “فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي”  فهذا الأخُ موجودٌ باختياره بعيداً عن أبيه. إنّ كلمة “فتحسسوا” أي استعملوا كل حواسكم من أجل أن تصلوا إلى معلومات تؤدي إلى مكانِ يوسف وأخيه، هكذا أراد يعقوب عليه السلام.
وقوله تعالى: “وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ” فالرّوحِ هنا تعني الرائحة التي تهبُ على الإنسان، فيَسترحُ بها، كأنك وأنت جالس والجو حار تأتيك نسمة لطيفةٌ وباردة، فهذه ما يُسمونها بالرّوحِ. وهي أيضاً الرائحةُ التي تأخذ بتقطير الأزهار التي تُنعش النفس. ولكن هنا يأتي معنى”وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ“هي أن الله الذي خلق الروح يملكها ويعرفُ سرّها وحده ينفخها في الجماد، فتعطيه الحية والحسّ والحركة، فقال تعالى: “إنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” يوسف:87. أي القوم الذين لا يؤمنون بالله؛ لأن هؤلاء الناس لا يؤمنون إلّا بالأسباب المادية، فإذا تخلت عنهم هذه الأسباب؛ فإنه يملأ قلوبهم اليأس.


شارك المقالة: