كيف كانت معاملة يوسف عليه السلام لإخوته عندما تعرفوا عليه؟

اقرأ في هذا المقال


تعرف إخوة يوسف عليه السلام وعطفه عليهم:

قال تعالى: “فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ” يوسف:88. هكذا دخلوا على يوسف، بالترقيق والتفخيم؛ لأن كلمة عزيز معناها، الملك المتصدق المكين، أي أن ما يطلبونه منه لا يخرج عن إرادته وسلطانه، يشكون إليه قسوة الجوع، ويقولون لهُ: إنهم جاءوا ببضاعةٍ مُزجاة، أي مدفوعة الثمن، يُزجى يعني يدفع، ولكن هذه البضاعة رغم أنها مدفوعٌ ثمنها، إلّا أنها رديئة ليست جيدة، فكأنما بلغ الحال بأولاد يعقوب أن أصابهم الضّر، حتى إنهم لم يعد عندهم البضاعة الجيدةِ التي أتوا بها في المرات السابقة، ولذلك جاءوا بالبضاعة الرديئة يدفعونها ثمناً للقمح، وهم يستعطفون يوسفألّا يعطيهم ثمناً قليلاً، مقابل هذه البضاعة المزجاة، فيقولون: “فأوفِ لَنَا الكيل” أي لأنهم يعانون من المجاعة، يطلبون كيلاً وافياً من القمح، فإن لم يكن هذا الكيل يُساوي البضاعة التي يحملونها، فليَكُن الباقي صدقة، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: “وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ” يوسف:88. إنّك لن تأخذ الجزاء منا، حتى تقول: لا تملكون شيئاً تُعطونه، ولكنك ستأخذ الجزاء من الله سبحانه وتعالى، وهو الغني دائماً: “إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ” يوسف:88. إذن ردوه إلى من هو أغنى وأعلى وأقدر من الدنيا كلها، وهو الله تعالى، وقالوا: إذا كنّا لا نستطيع أن ندفع، فستأخذ الثمن من الله الذي لا تفرغ خزائنهُ. وإذا قلنا: إنهم أولاد نبوة، ولا تجوز عليهم الصدقة. نقول: لا؛ لأن هذه اختص بها الله سبحانه وتعالى محمداً عليه الصلاة والسلام.
يوسف عليه السلام عندما سمع هذا الكلام ابتسم وضحك فظهرت ثناياه، وكانت مميزة بحيث إن كل من يراها يعرفه، فلما رأو ثناياه، بداءوا يدركون الموقف: “قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ” يوسف:89. بمجرد أن قالها؛ “قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ” أي أنهم أعلنوا شخصية يوسف بعد وثقوا وتأكدوا منها، ولم يُنكر يوسف عليه السلام، بعد أن رأى الحال الذي وصلَ إليه إخوته، قال: “قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي” ورغم أنهم عرفوه إلّا أنهم تفاجئوا باعترافه، ويُنبههم يوسف عليه السلام إلى أنّ أخاه دخلَ في النعمة معه، ثم أعطاهم حيثياتُ النعمةِ، فقال تعالى: “ ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” يوسف:90. أي أن حيثيات النعمة هي أن الإنسان يتقي الله دائماً ولا يفعل ما يُغضب الله تعالى، وأن الصبر والتقوى يُدخلانك في مقام الإحسان، وهو أعلى مقامات العبادة والقرب من الله.

عتاب يوسف عليه السلام لإخوته:

قال تعالى: “قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ” كأن يوسف يلتمس لهم العذر، أي أنهم لو كانوا يعلمون أن ما فعلوه يُغضب الله ما أقدموا عليه، إذن فأساس عملهم هو الجهل وليس المعصية، فهنا تنبه إخوة يوسف عليه السلام إلى القضية كلها، وكيف أنهم أرادوا أن يحرموا يوسف من حبّ أبيه وحنانه، فأعطاهُ الله ما جعله مفضلاً عليهم جميعاً في النعمة؛ لذلك يقول الحق: “قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ” يوسف:91. يعني أن الله تعالى ميّزك علينا جميعاً، “وإنّ كُنّا” أي حالنا وقن أن فعلنا ذلك كنا خاطئين، وهناك فرق بين خاطئين ومخطئين.
فالخاطئُ هو الذي يعلم منطقة الصواب ويُخطيء عن علم وعمد، أما المخطيء فهو يقصد الصواب، لكنه يخطيء، ولذلك لم يتم خطؤه عن عمد، الاثنان لم يصلا إلى الصواب، ولكن الخاطيء اختار الخطأ وهو يعلم موقعه، والمخطيء اختلط عليه الخطأ والصواب، “قالوا تالله” وهذا يُعتبر قسم مثل والله وبالله: “لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا” ومعنى آثرك: أي فضلك، وقوله تعالى: “وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ” يوسف:91. اعترف بالذنب، فهم أخذوا طريق الخطأ وهم يعلمون فكانت النتيجةُ هي أنّ عدلَ الله أعطاهم ما يستحقون وفضّل يوسف عليهم.

هل لأم يوسف عليه السلام إخوته على ما فعلوه به؟

قال: “قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ” يوسف:92. والتثريب معناه هو اللوم العنيف، وهي كلمة مأخوذةً من الثرب، عندما يذبحون الذبيحة، ويجدون حول أمعائها كثيراً من الدهن، هذا اسمه ثرب، وهذا الثرب تصاب به الشاة، وعندما لا تجد المرعى فتصاب بالهزال فإنها تتغذى من هذا الدهن، فالتثريب هو اللوم العنيف، الذي يصل بالإنسان إلى درجة أنه يهزل من إحساسه بالذنب، وقوله تعالى: “عليكم اليوم”، ثم ينتقلُ فينا الأمر إلى الأب يعقوب عليه السلام ولا بدّ أنهم قد حكوا ليوسف ما حدث لأبيهم، وكيف أنه يبكي بكاءاً مراً وكيف أن عينيه ابيضتا ولم يعد يرى أي شيء، كل ذلك تركه القرآن الكريم؛ لأن هذه أشياء من السهل الوصول إليها، وجاء قول يوسف عليه السلام مباشرة: “اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي” إذن فلا بدّ أنه عرف أن أباه يربط عينيه من الحزن، ولكن من الذي ناوله يوسف القميص ليأخذه أبيه؟ إنه كبيرهم الأخ الكبير الذي تقدم، وقال ليوسف عليه السلام: أيها العزيز إنني أنا الذي حملتُ إلى أبي قميصك، وجئت عليه بدم كذب، فدعنى أكفر عن ذنبي، وأحمل إلى أبي القميص الذي فيه الشفاء.
فقال تعالى: “اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا” أي يأتي إلى يوسف وقد زال عنه الضرّ والمرض، يأتيه مبصراً، إذن فهذا القميص الذي فيه رائحة يوسف، سيُعيد البصر إلى يعقوب، فيأتي لابنه مبصراً.


شارك المقالة: