بدء الأذان بقول الله أكبر

اقرأ في هذا المقال


بدء الأذان بقول الله أكبر:

قال تعالى: “وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” يس:40. كثيرُ من الناس قد كبر همه، وتجمَّع عليه من شغل الدنيا ما تجمَّع، وبينما هم على أحوالهم تلك إذ بصوتٍ يتلجلجُ في السماء يقطع عليهم كل تفكير، هناك صوت له أثره في النفوس، وصداه في الأرواح، ورهبة في القلوب الحية، وتردُّدٌ في الأذهان، إنه لصوت الأذان، وليس ذلك فقط بل إنه النداء الذي يبدأ ببيان ما الذي يجب أن يكون كبيراً في نفوسنا؟ ما الذي لا ينبغي ألا يكبر عليه شيء لا الأموال، ولا الأبناء، ولا الزوجات، لا أمانٍ زائفات، ولا آراء فاسدات، ولا أفكار سيئات، الله أكبر هي التي لا بدّ أن تجلجل فوق جميع المنارات، منارات المساجد، ومنارات القلوب، ومنارات التفكير، ومنارات الاهتمامات، ولا بد أن يستقر في النفوس بأن الله أكبر من كل شيءٍ في هذا الوجود.

إنّ الله أكبر تعالى أكبرُ من كلّ ما في الوجود حتى ما تنشغل به الآن مما قد أخذ كل لبكٍ فإن الله أكبر منه؛ وذلك لأنه بيده مقاليدُ السماوات والأرض: فقال الله تعالى: “لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” الشورى:12. فإننا ننظر إلى حال نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام  الذي كان لا يشغلهُ شاغل عن إجابة الداعي إذ جاء عن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: “كان يكون في مهنةِ أهله تعني خدمة أهله: فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة” رواه البخاري.

وقد عرّفنا السلفُ الصالحُ بأنّ الله تعالى هو أكبرُ من كلّ ما في الوجود وأعظم ما في هذا الوجود، وكان السلفُ الصالح إذ فعلوا ذلك فإنهم لم يعلمونا بالكلام فقط، لا بل سطروا ذلك بالأقوال والأفعال، ونحتوا ذلك على في صفحات التاريخ، وبينوا كيف أن الله تعالى كبير عندهم قال صاحب الإحياء: وقد جاء في تفسير قوله تعالى: “لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ” النور:37. أنهم كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى فسمع الأذان؛ لا يُخرج الإشفى من المغرز، ولم يوقع المطرقة، ورمى بها، وقام إلى الصلاة. وليس هذا فحسب بل كان للأذان في قلوبهم أثرٌ خاص قال صاحب الياقوتة: وكان أبو عمران الجوني إذا سمع المؤذن تغير، وفاضت عيناه، وكان أبو بكر النهشلي إذا سمع الأذان تغير لونه، وأرسل عينيه بالبكاء.

وإن ما نشاهده في الوقت، بأن ما وصلت إليه الدنيا من منزلة في قلوب كثيرٍ من المسلمين، فما كبر في قلوبهم  إلا الدراهم والأولاد والأزواج والتجارة والمساكين، وهذا ما حذرَ الله  تعالى منه في كتابهِ العزيز، فقال تعالى: “قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” التوبة:24.

فإنه إذا وُجِدَ الحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلن يقدم شيء من متاع الدنيا على ما أوجب الله تعالى، وما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى وصل الأمر بالبعض مع تركه لأمر الله عز وجل إلى العبودية لغير الله نسأل الله العافية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض” رواه البخاري.

إنّ الدنيا عندما تُصبحُ أكبر الهم فإنّ كثيرون من الناس يُفرطون في أعمال الله فنراهم لا يُجيبون النداء، فيضعون الأخرة يلهثون وراء الدنيا، فلا يحصلون من الدنيا على ما أرادوا، ولا هم فازوا في الآخرة فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من كانت الدنيا همَّه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته؛ جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة” ابن ماجه.

ولعلّ المسلم المُصلّي يدركُ بعض ما تعني كلمة “الله أكبر”، وموقف المسلمين منها، حيث منهم المفرط الذي لم يؤدي مقاصدها، ومنهم من كان يعلمُ معناها، وأعطاها قدرها، وقام بواجبها، فلا ينشغلُ عند سماعها إلا بها، ولا يهتم إلا بإجابتها، فليكن ما يتجلجل في صدرك، ويتردد بين جوارحك؛ هو صدى هذه الكلمة “الله أكبر”، حتى تحيي روحك بالاستجابة لأمر الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” الأنفال:24.


شارك المقالة: