العطوة في الدية:
تعريف العطوة: وهي الهدنة التي تسود بين الطرفين المتخاصمين، والمهلة التي يمنحها الفريق المعتدى عليه إلى الفريق المعتدي، لأجل أن يتقدم بالصلح حسب العوائد. أو هي كفالة ملزمة للطرف المتضرر ألّا ينتقم. إذن هي عطاء وتكرم من قِبل أهل المجني عليه لمدة معلومة تُعطى من قبلهم إلى الجاهة التي تحضر من طرف العشيرة التي قامت بالاعتداء، وهي هدنة مؤقتة تستمر لمدة محدودة، ويلجأ إليها العرف العشائري في القضايا الجزائية مثل القتل والعرض والدهس.
أما في حالات القضايا الحقوقية مثل: السرقات والاعتداء على أموال الآخرين وممتلكاتهم، فإن صاحبها وعشيرته تسعى إلى حمولة أخرى لكي تتوسط، وتبذلُ مساعيها للحصول على هدنة مدتها محدودة، يقصد بها حماية المعتدي وأقاربه من الطرف الآخر وفسح المجال أمام الطرفين للتفاوض، حول الطريقة الصحيحة والمرضية لحل الخلاف.
أما العطوة العادية فتكون لمدة أشهر أو ثلاثة أو أكثر، ويمكن تجديد العطوة بواسطة الجاهة من قبل وجوه العشائر. وتُعتبر العطوة من باب العهد، أي التعهد بعدم الاعتداء على الجاني خلال هذه المدة، وإذا كانت على شيء فهي عقد على صلح بشرطٍ معين. والعهدُ جائز شرعاً واجب الإلتزامِ به، فقال تعالى: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولً” الإسراء:34. فوجه الدلالة هنا أن الله أمر بالإلتزامِ بالعهد ووجوب الوفاء به.
يقول الطبري: وأوفوا بالعقود في البيوت والإجارات والصلح وغيرها “إن العهد كان مسؤولا” أي مطلوباً يسأل ناقض العهد عنه. فالعطوةُ عهدٌ وميثاق، ملزمة لطرفي النزاع، ولا يجوز نقضها، وهي جائزة شرعاً؛ لأنها من الأمور التي تساعد على الصلح. ولكن ثمة ملاحظة، وهي أن أي شرط تتضمنهُ العطوة مخالفٌ لكتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، مثل العطوة الصافية مقطوعة المصالح باطلة شرعاً.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : “الصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحاً حرم حلالاً، أو أحلَّ حراماً، والمسلمين على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو حل حراماً”.
فراش العطوة: أما ما يسمّى بفراشِ العطوة: وهو المال الذي يُقدمهُ الطرف المعتدي، لأخذ عطوة من الطرف الآخر. أو هو مبلغٌ من المال يُدفع للمعتدي عليه، وذلك مقابل أن تُعطى العطوة ويُدفع مرة واحدة. فإن كان هذا المال يُعد من الحق، أو من مصاريف العلاج فهو جائز، وأما إن كان ليس بحق فهو أكل لأموال الناس بالباطل. فقال تعالى: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” البقرة:188.
أنواع العطوات:
تختلف العطوات حسب نوع المشكلة أو الجريمة ومن أهمها ما يلي:
- العطوة الأمنية: وتسمّى هذه العطوة الجيرة لأهميتها؛ لأنها غطت الفترة الحرجة فترة فورة الدم، وفي حال رفض أهل المجني عليه إعطاء هذه العطوة، ففي هذه الحالة تتدخل الأجهزة الأمنية لإجبار أهل المجني عليه بإعطاء العطوة، وبالتالي، تقوم الدولة بفرض هيبتها وسلطتها بأخذ العطوة إلزامياً.
- عطوة الإمهال: وهي عطوة إمهال للجاني وعشيرته حتى الدرجة الخامسة للجلاء عن مكان الدم، وهذه العطوة تعمل على تجميد فترة فورة الدم.
- عطوة فتاش: وتؤخذ من الطرفين المتنازعين بواسطة وسطاء محايدين لحين القص، وتُثبت بوضع كفلاء لحين حل المشكلة عند القاضي.
- عطوة حي أو ميت: وهي أعلى شيء في القضاء العشائري، وتؤخذ عندما تكون إصابة المعتدي عليه بليغة وحياته في خطر، ويتمُ إجراء له عطوة لمدة ثلاثة أيام وثلث، وفي حالة الوفاة تؤخذ عطوة ميت، وكل تجديد عطوة يُعين له يوماً من أجل التجديد.
- العطوة التامة أو الناقصة: والتامةُ فتشمل جميع القضايا العادية، وليس بها تحفظات ولا شروط، وتكون عطوة غير مشروطة، أي تشمل جميع أفراد الجاني، وتتمتع فيها جميع العائلة بالحماية. أما الناقصة فهي المشروطة، وذلك لأن موضوعها معقد، فتعطى لجميع العائلة ما عدا الجاني فإن دمه مهدور بين العشيرتين، وتكون في حالة ما إذا ارتكب جريمة شنعاء، كاعتدائهِ على امرأة بالاغتصاب.
- عطوة اعتراف بالحق: وتؤخذ بقصد إمهال الجاني الذي اعترف بجريمته لمدة معينة، ولها فرع آخر يُسمّى بعطوة قصاص، وهي في حالة ضياع الحق بينهما، مثل تنوع الضربات بينهما، فكل منهما يعتبر أن الحق له، فتؤخذ العطوة لمدةً معينة وذلك بحضور طرف ثالث محايد، ويرمي وجه على الطرفين وتسود الهدنة لحين حل المشكلة وقص الإصابات.
- عطوة الإقبال: وهي هدنة لترتيب فض النزاع موضع الخلاف، وهي آخر واحدة تسبق إجراء مراسم الصلح. ومن المعروف عند العرب، أن العطوة لا تؤخذ بالجبر والإكراه، وإنما تؤخذ بالرضى والاختيار، إلا في العطوة الأمنية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية للدولة بأخذ العطوة جبراً وإلزاماً.