العود في الإيلاء:
لقد اختلف الفقهاء في تعريفه على النحو التالي:
- فعند الحنفية: هو العزم على استباحة وطء الزوجة عزماً مستمراً لا رجوع فيه؛ وذلك لأن وطأها حرم عليه بالظهار منه ولا تجب عليه الكفارة إلا بالعودة على استباحة الوطء لقوله تعالى:”ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا” المجادلة:3. أيّ يعودون لتحليل ما حرموه بقولهم على أنفسهم أو ينقضون قولهم بالعود عن قولهم الأول ومعنى يعودون على يصيرون؛ لأن العود هو الصيرورة ومنه قوله تعالى:”حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ” يس:39. أيّ أنهم صارو.
- عند المالكية: هو العزم على الوطء أو مع نية الإمساك ويتفق قول مالك في العزم على الوطء مع قول الحنفية.
- عند الحنابلة: وهو الوطء في الفرج.
- عند الشافعية: هو أن يمسكها زوجة مع القدرة على الطلاق؛ لأنه لما ظاهر قصد التحريم، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلافه مبتدأه من إيقاع التحريم وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه، فلو اتصلت به فرقة بموت أو فسخ ولم يراجع أو جن فلا عود، ويتحقق العود عند الشافعية في الحالات الآتية:
الحالة الأولى: فيما إذا كان الظهار مؤقتاً بأن قال لها أنت علي كظهر أمي شهر رمضان ففي هذا عودةً وتأتي على وجهان:
– قول المزني: أن العود فيه أن يمسكها بعد الظهار زمناً يمكنه أن يطلقها فيه.
– أن لا يحصل العود فيه إلا بالوطء؛ لأن إمساكه يجوز أن يكون لوقت الظهار ويجوز أن يكون لما بعد مدة الظهار فلا يتحقق العود إلا بالوطء، فإن لم يطأها حتى مضت المادة سقط الظهار ولم تجب الكفارة؛ لأنه لم يوجد العود.
الحالة الثانية: إن ظاهر من مُطلقة طلاقاً رجعياً لم يصر عائداً قبل الرجعة؛ لأنه لا يوجد الإمساك؛ لأنها تجر إلى البينونة فإن راجعها فهل تكون الرجعة وداً أم لا فيها قولان:
الأول: لا تكون عوداً حتى يمسكها بعد الرجعة؛ لأن العود هو استدامة الإمساك والرجعة ابتداءً استباحة فلم تكن عوداً.
الثاني: وهو عود؛ لأن العود هو الإمساك، وقد سمى الله الرجعة إمساكاً فقال:” فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ” البقرة:229. ولأنه إذا حصل العود باستدامة الإمساك؛ فلأن يحصل باستدامة الاستباحة أولى.
وبعد أن تحدثنا عن معنى العود عند الفقهاء الموجب للكفارة نقول: متى تجب الكفارة، وهذا يتخرج على تحقيق معنى العود عند كل منهم كما يلي: نرى أن الحنفية ويقترب منهم المالكية يقولون: أن العود هو العزم على الوطء أو العزم المؤكد وعلى هذا يكون العود السبب الموجب للكفارة أي: عزمه على الوطء هو الذي يوجبها.
وعند الحنابلة العود هو: الوطء الحقيقي ولذلك تجب الكفارة عندهم بالوطء ولهذا تجب الكفارة عندهم قبل الوطء؛ يرون دفع الكفارة قبل الوطء تعجيلاً مثل تعجيل الزكاة قبل الحول فكان السبب عندهم ليس هو الوطء إذ لو كان السبب هو الوطء لجعلوا دفع الكفارة بعده لكن السبب لعله هو الظهار أو العزم على الوطء؛ لأنه لا يمكن تقديم المسبب على السبب؛ لأن القرآن صريح في جعل الكفارة، وهي التحرير قبل أن يتماسا، والمراد من المسيس عندهم هو الوطء فلا بد أن يقولوا بما قال به الحنفية والمالكية؛ لأن العزم الأكيد على الوطء لا تراجع فيه ويؤدي إلى ترتيب المسبب على السبب فلو أخرج الكفارة في الظهار بعد العزم الأكيد على الوطء يعتبر مخرجاً لها في وقتها دون تعجيل.
وأما قول الشافعية بأن معنى العود هو: إمساكها بعد الظهار مدة بلا فرقة فإنهم يعتبرون ذلك عوداً وهو موجب للكفارة عندهم فكأنهم يقتربون ممّا قاله الحنفية والمالكية؛ لأن إمساكها زمناً بعد الظهار يسع الفرقة دليل على نية رجوعه في ظهاره وهذا لا يبعد كثيراً عن العزم على الوطء؛ لأن العزم يعتبر نية أو قريباً منها.
ولهذا يمكن أن يكون الظهار هو السبب الموجب للكفارة ويمكن أن يكون العود هو الموجب للكفارة؛ لأن الظهار هو السبب في العود والعود هو السبب الموجب للكفارة، وسبب السبب يُعدّ سبباً ويمكن أن يكون إيجاب الكفارةِ في الظهار له سببان هما “الظهار والعود” فمن أوجب الكفارة بالعود علقها على السبب القريب ومن أوجبها بالظهار علقها على السبب البعيد ومن أوجبها بهما جعل كلاً منهما سبباً لابد من تحققه إذ لا يمكن إيجابِها بمجرد الظهار وحده ولا يمكن ايجابها بالعود إلا إذا تأكد عزمه على الوطء.