القذف الذي لا حدّ فيه:
القذف: هو ما يسمّى بالرمي أو اللواط أو الاتهام بالفاحشة، بقول الشخص لغيره يا زاني، أو يا لوطي، أو يا ابن الزنى، أو نحو ذلك. فإن ما قيل في الزنا يقال في القذف، فلا يُقام حد القذف على القاذف إلا إذا توافرت شروطٌ معينة، فإذا انعدم شرط منها أو اختل فلا يُقام الحدّ، ولكن الفعل يبقى مع ذلك معصية لا حد فيها، ويُعزر الجاني على ارتكابها. وأهم شروط القذف أن يكون المقذوف محصناً معلوماً، وأن يكون القذف بصريح الزنا، متصور الوجود من المقذوف، ليس معلقاً على شرط أو مضافاً لأجل. وسنتكلم فيما يلي عن تخلف كل منها.
المقذوف غير محصن:
يجب لكي يقام على القاذف حد القذف أن يكون المقذوف محصناً، ومن شرائط الإحصان العقل والبلوغ والإسلام والعفة عن الزنا. وكان من هذه الشروط الحرية، وقد أصبح هذا الشرط الآن متحققاً بالنسبة لجميع الناس في أكثر الدول، وليس الكلام في تخلف شرط الحرية إلا للعلم في ذاته وللتاريخ.
إن تخلّف أي شرط من شروط الإحصان هو مانع من إقامة حد القذف على المقذوف، ويقتصر الأمر على التعزير، فيُعزر من قذف مجنوناً بالزنا، وكذلك من قذف صغيراً بالزنا، ومن قذف غير مسلم بالزنا، أو امرأة زنت في نصرانيتها، أو رجلاً زنا في نصرانيته، أو قذف بالزنا مسلمةً قد زنت، أو مسلماً قد زنا أو قذف من وطئ امرأة في نكاح فاسد أو من وطئ وطأً محرماً في غير ملكه، أو من معها أولاد لا يُعرف لهم أب، أو الملاعنة بولد.
إذ في هذه الحالات لا يكون المقذوف عفيفاً عن الزنا والعفة عن الزنا من شروط الإحصان كما أمر. ويشترط الشافعي ما يشترطه الحنفية في الإحصان.
ويشترط الشافعي ما يشترطه الحنفية في الإحصان، وتكمن شروطه بخمسة شروط وهي: العقل والبلوغ والإسلام، والحرية والعفة عن الزنا. فإن كان المقذوف صبياً أو مجنوناً أو عبداً أو كافراً أو ساقط العصمة بزنا حد فيه، فلا يحدُ قاذفهُ، ولكن يُعزر بسبب الأذى الذي يلحقه المجني عليه، وحتى يمتنع اللسان عن ذلك.
ونقل عن الحنابلة الخلاف في شرط البلوغ، فقد روي عنهم أن البلوغ من شرائط الإحصان، فلا يقام على القاذف حد القذف إذا لم يكن المقذوف بالغاً، بل إنه يُعزر. وهذه الرواية تتفق مع مذهب الحنفية والشافعي في اشتراط البلوغ، وعليها قال أيضاً أبو ثور، والحجة في ذلك أن البلوغ هو أحد شرطي التكليف، فأشبه العقل، وأن زنا الصبي لا يوجد فيه حداً، فلا يجب حد القذف بالقذفِ بهذا الزنا، كما هو الحال في زنا المجنون.
المقذوف مجهول:
ويشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف معلوماً، فإذا لم يكن المقذوف معلوماً، فلا حدّ على القاذف، ولكن يُعزر وذلك لما ارتكب من معصية ليست فيها عقوبة مقدرة، فيُعزر من قذف بالزنا جد آخر، وذلك دون أن يبين أي جدٍ يريد، أو أخاه، دون أن يبينه، وكان المقذوف أكثر من أخ؛ وذلك لأن الذي كان يعنيه القاذف في الحالتين يعتبر مجهولاً.