الكفر:
سنتعرف في هذا المقال على أربعة مباحث لموضوع الكفر: وهي معناه في اللغة والاصطلاح، وأنواع الكفر، والخروج من الكفر إلى كفرٍ آخر، ومواقف العلماء من التكفير.
تعريف الكفر:
الكفر لغةً: هو الستر والتغطية، وجاء من ذلك تسمية الفلاح كافراً؛ لأنه يستر البذر في الأرض ويُغطّيه، فقال الشاعر:
يعلو طريقةَ متنها متواتر في ليلة كفر النجوم غمامها.
أي سترها وغطاها، ويسمّى الليل كافراً؛ لأنه يغطي ما على وجه الأرض بظلامه ويسترهُ. ويقال كفر درعهُ بثوبه أي غطاها به ولبسهُ فوقها.
أما الكفر في الشرع: هي تغطيةُ الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الحقُ توحيد الله تعالى بالباطل الذي جاء به إبليس لعنهُ الله، وأقبح هذا الباطل الشرك به. فالكافر هو الذي يغطي بباطله، من شرك غيره حق الله تعالى من توحيدٍ وغير ذلك من الطاعات، جحداً وعناداً كما في محكم كتاب الله العزيز: “فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ” فصلت:17.
أنواع الكفر:
إن الخروج عن الإسلام في الجملة هي قسمان: شرك، وكفر وكلٌ منهما قسمان: أكبر وأصغر. فأمّا الكفر والشرك الأكبرانِ، فإنهما يخلدان صاحبهما في النار، وإذا خرجا من مسلمٍ فإنه يُعتبر مرتداً. أما الكفر والشرك الأصغر فلا يُخلدان صاحبهما في النار، ولا يعتبر من صدر منه مرتداً، ولكنهما خطران إذ قد يقضيان إلى الشرك والكفر الأكبرين.
والكفر الأكبر يكون تارةً بالتكذيب، أي تكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما جاء به، وغالباً يكون باللسان مع اعتقاد صدق النبي عليه الصلاة والسلام أو غيره من الرسل، كما قال تعالى: “وجَحدُوا بِها واستيقنتها أنفسَهُم” وقال“فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون” النمل:14.
– فمرةً يكون الكفر عن إباء واستكبار، مثل كفر ابليسِ وغيره ممّن عرف صدق الرسول واستكبر عن الإيمان به كما قال الله تعالى: “فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ“البقرة:89.
– ومرةً أخرى يكون عن إعراضٍ أي عن تعمّد عدم سماح الدعوة إلى الله كما قال في كتابه العزيز: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ” فصلت:26.
– وتارةً أخرى يكون عن نفاق وذلك يظهر الإسلام، وهو في الواقع كافر. فقال تعالى: “آلم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ” وأخبر عن المشركين أنهم”في ريبهم يترددون” التوبة:45.
والشركُ نوعان:
شركٌ أكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة، مثل الكفر الأكبر، وهو أن يساوي بين الخالق والمخلوق في العبادة، ولو اعتقد أن الله هو الخالق الرازق النافع الضار، والمساواة في المحبة والتعظيم.
أما الشرك الأصغر، وهذا لا يخرج صاحبه من الإسلام، ولكنه وسيلةٌ، ومن الأمثلة عليه، هو الحلفُ بغير الله إذا لم يكن الحالف معظماً للمحلوفِ به، مثل تعظيم الله، فإن كان معظماً للمحلوفِ به كتعظيم الله، فهو شركٌ أكبر.
الخروج من كفرٍ إلى كفرٍ آخر:
إن من تعاريف الردّة السابقة يتبين لنا أن المعتبر هو رجوع المسلم عن الإسلام إلى الكفر وأن الانتقال من كفر إلى كفرٍ آخر فذلك لا يُعتبر ردّة، فهل يكون الأمر كذلك؟ أما الرجوع عن الإسلام إلى الكفر فلا خلاف في اعتباره ردّة، وأما الانتقال من كفر إلى كفر آخر فهناك خلاف فيه بين العلماء ومنهم أن ذهب الحنفية والمالكية وبعض الشافعية إلى أن الشخص الذي ينتقل من كفر إلى كفرٍ آخر يقرُ على ما انتقل إليه ولا يتعرض له لعدّة أمور وهي:
- أن الكفر ملةٌ واحدة، فالله تعالى يقول: ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ” الأنفال:37. ويقول“لكم دينكم وليَ دين” الكافرون:6. وهذا كله شامل الكفر كله كما هو ظاهر.
- إن الكافر الخارج من دين إلى آخر مثل النصراني الذي يتهود او العكس إذا اعتبر مرتداً لزوم إكراههُ على الإسلام وذلك ممنوع بنص القرآن، كما قال تعالى:“لاإكراهَ في الدّين”البقرة:652.
- أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ” لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث ومنهم التارك لدينه المفارق للجماعة “ اللؤلؤة والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. ويدل هنا الحديث على أن المقصود بالدّين هو دين الإسلام، وهو المراد في الحديث الآخر:” من بدل دينه فاقتلوه”.
مواقف العلماء من التكفير:
لقد تحدثنا وقلنا أن الإسلام هو قولٌ واعتقاد وعمل، وأن له أصولاً وفروعاً وأن ضده الكفر والمعاصي، وأن أمر التكفير خطير، وأيضاً التساهل الذي يؤدي إلى عدم تكفير الكافر خطيرٌ أيضاً. ويجب أن نقف عند نصوص الشريعة وقواعدها دون تفريط، ويرجع الحكم في ذلك لله تعالى.
والمقصود هنا ذكر هذه الآراء باختصار من أجل إيضاح حكم مرتكب الذنب على اختلاف أنواعه عند كل جهة وهنا سنتعرف على ثلاثة مطالب لبعض أصحاب المذاهب:
المطلب الأول: وهو مذهب الخوارج والمعتزلة: وهم يرون أن أي كبيرة يرتكبها المسلم تكون مخلدة له في النار، إلا أن الخوارج يطلقون عليه الكفر في الدنيا والآخرة ويُجرون عليها أحكامه كلها، والمعتزلة لا يطلقون عليه الكفر ولا الإيمان، بل اسم الفسق في الدنيا واستدلوا بنصوص الوعيد.
المطلب الثاني: وعلى رأس هذه الطائفة هو جهم بن صفوان، إذ أنهم يرون أن مجرد التصديق القلبي والعلم هو إيمان لا يضرُ معه أيّ ذنب، ولو كان السبب هو الله ورسوله، وإهانة المصحف ومعاداة المؤمنين وموالاة الكافرين، والدليل على هذا قوله تعالى:”إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا“الزمر:35.
المطلب الثالث: وهو مذهب جماهير سلف الأمة وخلفها: وقد خالف هذا المذهب المذهبين السابقين، ويعتبر وسطاً بينهما، فإن كان المذهب الأول قد أفرط ناظراً إلى نصوص الوعيد وحدها.
أما الثاني، فقد فرط ناظراً إلى نصوص الوعد وحدها، وهذا المذهب اعتدل لجمعه بين نصوص الوعيدِ ونصوص الوعدِ معاً وقد نزلَ كلاً منهما منزلته. فالذنب الذي يُخلد صاحبه في النار ويجعله مرتداً عن الإسلام هو الكفر والشرك الأكبران، أما غيرهما فيعد من الكبائر، ولا يخرج صاحِبهما عن الملّة ولا يُخلد في النار، بل يبقى تحت مشيئة الله تعالى، إذا شاء الله عذبه على قدر ذنبه، وإن شاء أخرجه من النار وأدخله الجنة، وإن شاء غفرَ له ابتداءً. وعلى هذا المذهب الحق فقد دلت نصوص الكتاب والسنة.
القرآن: فقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ” النساء:48.
أما السنة: فقد صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلم، “أن من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة”. اللؤلؤة والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان.
وفي هذه النصوص وأشباهها رد على الخوارج والمعتزلة كما هو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان. وهناك نصوص كثيرة منها قوله:”وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا“النساء:93.