تكييف الدية:
ويشمل تكييف الدية ما يلي:
- الدية في الشريعة: وتعتبرُ الدية في الشريعة تعويضاً في آنٍ واحد، فهي تشبه العقوبة وتشبه التعويض، وهي أيضاً عقوبة؛ لأنها مقررة جزاء للجريمة، وإذا عًفى المجني عليه عنها، حاز تعزير الجاني بعقوبةٍ تعزيرية وملائمة، ولو لم تكن عقوبة لتوقف الحكم بها على طلب المجني عليه، ولما جاز العفو عنها أن تحل محلها عقوبة تعزيرية، وهي تعويض؛ لأنها مال خالصٌ للمجني عليه، ولأنه لا يجوز الحكم بها إذا تنازل المجني عليه عنها.
- الدية في العرف القبلي: إن الدية في العرف القبلي تُعتبر تعويضاً وعقوبة في آنٍ واحد، حيث يدفع إلى المتضرر وأهله وأقاربه، من قبل مرتكب الجريمة وأقاربه، فالعشائرُ تراها مثلَ نوع من التعويض، ووسيلةٍ لمنع مزيد من سفك الدماء بين الأطراف المعينة، فهي بالتالي تُشكل تعويضاً وعقوبةً في آنٍ واحد، بالإضافة إلى أنها طريقة لإنهاء النزاع في قضايا الدم وعداوته. وهكذا نرى ان هناك توافقاً بين الشريعة والعرف في تكييف الدية.
قيمة الدية:
- قيمة الدية في الشريعة الإسلامية: إن مقدار قيمة الدية هو مائةٍ من الإبل أو قيمتها، بحيث تكون مغلظة في العمد، ومخففة في الخطأ، والتغليظِ والتخفيف ليس من حيث العدد ولكن من حيث أسنان الإبل وأنواعها.
- قيمة الدية في العرف القبلي: وتكون في ما يلي:
1- في قتل العمد: القيمة مائة بعير، وزاد عليها العرف القبلي قدراً آخر من المال باتفاقٍ حتى يرضى أهل المجني عليه، هذا كله عدا الأموال التي تدفع مع العطاوي.
2- في قتل الخطأ: مائة بعيرٍ وبعضهم يرى أنها أربعون بعيراً، وثمة نصٌ عرفي بشأن هذا الموضوع، غلامٌ مكتوف أو أربعون وقوف.
قيمة الدية في القتل الغدر:
- القتل الغدرُ في الشريعة: والقتل غيلة ليس قتلاً عادياً، إذ يُقتل اثنان في الغالب فيتغلبُ أحدهما على الآخر فيقتلهُ عدواناً وظلماً، وقتلُ العمد يكون علناً وأمام الناس وقد يكون خفية وغدراً وغيلّةً؛ وذلك لأخذ ماله أو للانتقام منه أو لأي سبب من الأسباب غير المشروعة، فلو أقدمً إنسانٌ على قتل إنسانٍ غيلةً أو غدراً، كأن دعاه إلى بيته إلى طعام غداءٍ فجاء إلى البيت، فبادره بإطلاق النار عليه أو بضربِ عُنقه بالسيف، فما حكم القاتل غيلةً.
اختلاف الفقهاء في هذه المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لأولياء المقتول القتل أو العفو، وهم مخيرون وليس للإمام دخل في القصاص أو العفو، وهذا مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة. ودليل أصحاب المذهب الأول كان من القرآن والسنة الشريفة.
فقال تعالى: “ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ”البقرة:178.
المذهب الثاني: أنه لأولياء المقتول القتل فقط، ولا يملكون العفو أو أخذ الدية، والذي يقتل القاتل هو الإمام، وهذا مذهب المالكية. أما أدلة المذهب الثاني فهي من القياس والأثر.
الأثر: ومن الأثر عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل نفراً من خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة، وقال عمر “ولو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً”. وجه الدلالة: الحادثة وقعت في قتل الغيلة، وقد نفذ عمر رضي الله عنهم فيهم القصاص، دون أن يلتفت إلى رأي أولياء المقتول، فدل على أن الواجب في قتل الغيلة القصاص عيناً.
المناقشة والترجيح:
إن النصوص القرآنية والسنة النبوية عامة في كل قتل، واعتبار قتل الغيلة حرابة بعيداً جداً؛ لأن الحرابة خروج عن طاعة الإمام في قوة، تقوم بقتل الناس، وإخَافتهم، وأخذ أموالهم، ونشر الفساد في الأرض،، كما قال تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” المائدة:33.
أما القاتل غيلة فلا يهدد أمن الدولة والمجتمع، ولا يقطع الطريق على أحد ضمن قوة غالبة ومحاربة، تقتل وتأخذ الأموال وتخفيف الناس وعليه فإن الحدود هي حق الله تعالى والقصاص حق العبد وحق لا يملك أحد أن يتنازل عنه حتى السلطان. أما القصاص فهو حقٌ للعبد وللعبد أن يتنازل عن حقه، وأما قول عمر، وأما قول عمر رضي الله عنه: “لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به”. أي أمكنت الولي من استيفاء القود منه. وهذا نوع قتلٍ كسائر أنواع القتل؛ ولأنهُ قتل معصوماً مكافئاً فوجب عليه القصاص، كما لو لم يكن قتل.