ما هي الأمور التي تمنع الاعتكاف؟

اقرأ في هذا المقال


الاعتكاف:

هو لزوم المسجد لطاعة الله، على صفة مخصوصة، من مسلم عاقل ولو مميزًا، طاهر ممّا يوجب غسلًا، وأقله ساعة، فلا يصح من كافر ولو مرتد، ولا من مجنون ولا طفل، لعدم النية، ولا من جنب ونحوه ولو متوضئًا، ولا يكفي العبور، وإنَّما أقله لحظة”.

لكل عبادة من العبادات التي يقوم بها المسلم، واجبات ومحظورات، عليه أن يتحرّى عنها، وأن يجتهد في القيام بواجباتها وسننها ومستحباتها، وأن يبتعد عن محظوراتها ومبطلاتها. ونجد أنَّه من المفيد جداً، أن يطّلع المقبلون على الاعتكاف في المساجد، على هذه المحظورات والمبطلات، وأيضاً المباحات التي يمكن القيام بها، دون أن ينقص من أجرهم شيء، علّها تساعدهم في بلوغ الأجر والمثوبة من الله جلّ وعلا.

مايُمنع منه المعتكف:


إذا دخل الإنسان في الاعتكاف، فإنّه يتعين عليه الامتناع عن عدّة أمور، ومنها:


أولاً: الخروج من المسجد: فإذا دخل المعتكف في اعتكاف منذور لم يجز له أن يخرج من المسجد بغير عذر باتفاق سائر الفقهاء.
والدليل على ذلك:
1 – ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: “السنة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لا بد منه” ومنها أنّها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً”.
2 – لأنَّ الخروج لها لا بد منه، إذ وقوعها أمر معلوم ولا بد من الخروج لقضائها فاستثني من الاعتكاف.
وأجمع الفقهاء على أن من خرج بغير عذر يبطل اعتكافه، لأنَّ الاعتكاف هو اللبث في المسجد فإذا خرج فقد أتى بما ينافيه من غير عذر فيبطل اعتكافه، كما يبطل الصيام بالأكل.
وإذا أخرج المعتكف يده أو رأسه أو رجله من المسجد لا يبطل اعتكافه، سواء فعل ذلك لعذر أو لغير عذر، دليل ذلك حديث عائشة أنَّها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه.
ولأنَّه بإخراج رأسه ورجله لا يعد خارجاً، بدليل أنَّ من حلف لا يخرج من مكان فأخرج رأسه أو يده لا يحنث.
فالخروج الممنوع هو ما كان بكل البدن، وعن كل المسجد، وبلا عذر.
ورغم أن المعتكف يمنع من الخروج من المسجد، وخروجه يبطل اعتكافه إلّا لحاجة، وعليه أجمع الفقهاء إلا أنَّه يجوز للمعتكف أن يخرج لحاجة الإنسان وهي البول والغائط.
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم، ولأنَّ ذلك خروج لما لا بد منه فلم يبطل الاعتكاف، إذ هي حاجة ضرورية ويتعذر قضاؤها في المسجد فدعت الضرورة إلى الخروج، ولأنَّ في الخروج لهذه الحاجة عون على هذه القربة، حيث لا يتمكن المرء من أدائها إلّا مع بقاء نفسه، ولا تبقى إلا مع الأكل ومقتضياته من الاستفراغ.
وإن كان للمسجد سقاية لم يلزمه قضاء حاجته فيها لأنَّ ذلك نقص في المروءة وعليه فيه مشقة – وأرى أنَّه لا بأس أن يفعل ذلك اليوم بعد أن أصبحت المساجد مجهزة بأماكن خاصة للطهارة لا تتعارض مع حرمة المسجد-، ولو كان له بيت صديق قريب لم يلزمه قضاء الحاجة فيه، لأنَّ في ذلك مشقة على النفس وحرجاً، والمعتمد أنَّه من كان له بيتان قريب وبعيد لا يصح له الذهاب إلى البعيد.
ثانياً: الجماع:


أمّا الأمر الثاني الذي يمنع منه المعتكف فهو الجماع وسائر أنواع المباشرة بشهوة، فهذه ممّا اتفق الفقهاء على تحريمها على المعتكف وعلى أنَّه إذا جامع عامداً يبطل اعتكافه.


والدليل على ذلك:
– قوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) “البقرة 187”.
– ما روي عن ابن عباس أنه قال :”إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف”.
– لأنَّ الاعتكاف عبادة يحرم فيها الوطء، فيفسدها كالصيام.
ولا فرق عند الحنفية والمالكية والحنابلة بين ما إذا وقع الوطء عمداً أو سهواً.
وقال الشافعية والظاهرية لا يبطل بالوطء ناسياً.
وقد استدل الشافعية بما يأتي:
– قوله صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”.
– لأنَّ الوطء نسياناً لا يبطل الصوم فلا يبطل الاعتكاف كالمباشرة فيما دون الفرج.
– ولأنَّ كل عبادة أبطلتها مباشرة العامد، لم يطلها مباشرة الناسي كالصوم.


أمّا الجمهور فدليلهم:
1 – أنَّ ما حرم في الاعتكاف كان العمد والسهو فيه سواء في إفساده، كالخروج من المسجد.
2 – لأنَّ الاعتكاف عبادة تفسد بالوطء عمداً فكذلك سهواً كالحج.
3 – لأنَّ ما هو عليه من حالة الاعتكاف تذكرة فلا عذر له بالنسيان.
المباشرة فيما دون الفرج:
أمّا المباشرة فيما دون الفرج فلا تخلو عن أن تكون بشهوة أو بغير شهوة، فإن كانت بغير شهوة كأن تغسل زوجته رأسه أو تناوله شيئاً، فقد اتفق الفقهاء على أنَّه يجوز للمعتكف فعله ولا يبطل اعتكافه بذلك ودليل ذلك حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إليّ رأسه فأرجله”.
وهذا يشمل كذلك القبلة للإكرام أو الشفقة أو للقدوم من السفر.
أمّا إذا كان بشهوة كاللمس والقبلة وسائر أنواع المباشرة فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنَّه إن أنزل بذلك يبطل اعتكافه، وإن لم ينزل لم يبطل، وهو قول عند الشافعية وقال المالكية يبطل مطلقاً أنزل أو لم ينزل، وهو قول آخر عند الشافعية.
ثالثاً: البيع والشراء:


فالمعتمد من مذهب المالكية والحنابلة أن المعتكف لا يبيع ولا يشتري إلّا ما لا بد له منه.
وقال الشافعية: يجوز له أن يبيع ويشتري شريطة أن لا يكثر من ذلك، فإن كثر كره ولم يبطل اعتكافه.
وقال الحنفية لا بأس بأن يبيع ويشتري ما كان من حاجاته الأصلية، ويكره ما كان للتجارة ولا يبطل اعتكافه.
دليل القائلين بجواز البيع والشراء للمعتكف:


– أن المسجد ينزه عن أن يكون مكاناً للبيع لقوله صلى الله عليه وسلم: “جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم” فإنَّ أكثر من البيع كره لحرمة المسجد ولم يبطل؛ لأنَّ ما لا يبطل قليله الاعتكاف لم يبطله كثيره كالقراءة والذكر.


أمّا القائلون بعدم الجواز فدليلهم:
1 – ما روي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد.
2 – لأنَّ غير المعتكف يمنع من البيع والشراء في المسجد فالمعتكف أولى.


شارك المقالة: