ما هي حقيقة قتل شبه العمد وما رأي الفقهاء فيه؟

اقرأ في هذا المقال


تعريف قتل شبه العمد:

الشبه لغة: شبه وشبهٌ لغتان، يُقال: هذا شبهه أي شبيهه، والمتشابهات المتماثلات، وتشبيه التمثيل.

الشبه اصطلاحاً:
وهو نفس المعنى اللغوي أي معنى الشبيه والمثيل.
ومعنى القتل شبه العمد في الاصطلاح الشرعي كما يلي:
عند الحنفية: ويقصد به الضرب والعدوان بما ليس بالسلاح، ولا ما أجري مجرى السلاح، كالعصا أو السوط أو الحجر أو اليد.
أما الشافعية والحنابلة: يقصد القاتل الضرب والعدوان بما لا يُقتل غالباً، مثل ضربه بالسوط والعصا ضربةً خفيفةً أو بحجرٍ صغيرٍ، ولم يؤول به الضرب. ويظهر من التعريفين السابقين أنه لا بد لهذا النوع من القتل أن يتوفر فيه شرطان وهما:

الشرط الأول:
قصد العدوان والضرب.
الشرط الثاني: استعمال آلة لا تقتل غالباً.
وإذا ما تحقق شبه ترتب عليه أثره وعقوبته وهي وجوب الدية المغلظة على العاقلة.

سبب تسميته شبه العمد:

أنه متردد بين العمد والخطأ؛ لأن فيه معنى العمد باعتبار قصد الفاعل في الضرب، ومعنى الخطأ باعتبار عدم قصده إلى القتل، وذلك باستخدامه آلة لا تقتل غالباً. فلو ضرب الجاني المجني عليه بحجر صغير غير قاتل، فأدى هذا إلى موت المجني عليه، فإن الجريمة شبه العمد بالرغم من توفر صفة العمد فيها، ولكنَ استعمال الوسيلة التي لا تقتل غالباً، فهي دليلٌ على عدم القصد في إزهاق الروح.

مذاهب الفقهاء في قتل شبه العمد:

لقد اتفق الفقهاء على تقسيم القتل إلى عمد وخطأ، واختلفوا في هل بينهما وسط أم لا، وهو الذي يسمونه شبه العمد على مذهبين:

المذهب الأول:
القتل شبه العمد معتبر شرعاً، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وقول المالكية.
المذهب الثاني: إن القتل شبه العمد لا أصل له، وغير معتبر شرعاً، وهو مذهب المالكية. والمشهور عن مالك أنه ينفي وجود هذا النوع من القتل، إلا في حالة قتل الأب لابنه.

أدلة الجمهور في القتل شبه العمد:

إن من الأدلة على هذا النوع من القتل وردت في السنة وإجماع الصحابة ما يلي:

1 – السنة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في خطبته يوم فتح مكة: “ألا إن قتيل خَطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا والحجر، مائةً من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها”.سنن ابن ماجه مع أحكام الألباني. ووجه الدلالة: دلّ الحديث صراحة على إثبات شبه العمد.

2 – إجماع الصحابة:

لقد وردت آثارٌ كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم تُثبت شبه العمد، وممن روي عنه في هذا الباب: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، عبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة فصار إجماعاً. فإن توافر مثل هذا العدد من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم دليل جازم على اعتبار قتل شبه العمد، وأنه توفر لهم سماعاً عنه من النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا به، ومثل هذه الأمور توقيفيةً، لا تُقال بمجرد الرأي والاجتهاد فوجب المصير إليها.
أما أدلة المالكية: وهي القرآن الكريم والأثر.
– أما القرآن الكريم: قال تعالى:“وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”النساء:93. ووجه الدلالة: القرآن الكريم لم ينص في غير القتل العمد إلا على القتل الخطأ، ولم يجعل قسماً ثالثاً فدل هذا على بطلان هذا النوع وفساده.
قال عبد الوهاب البغدادي من علماء المالكية: فذكر الخطأ والعمد المحضين ولم يذكر ثالثاً؛ لأن العمد معنى معقول، وهو قصد الفاعل إلى الفعل، والخطأ معنى معقول وهو ما يكون من غير قصد ووجه الفعل الواحد بالوصفينِ يمتنع، فلم يُجيز إثباته.
3 – أما الأثر:
وذلك في استدلال مالك رحمه الله بأن شبه العمد لا يكون إلا في قتل الوالد لولده.
عن أبي جريج عن عبد الكريم: أن قتادة المدلجي كانت له جاريةً، فجاءت برجلين فبلغا، ثم تزوجا، فقالت امرأته: لا أرضى حتى تأمرها بسرحِ الغنم فأمرها، فقال ابنها: نحن نكفي ما كلفت أمناً فلم تسرح أمهما، فأمرها الثانية فلم تفعل، وسرح ابنها فغضب، وأخذ السيف، وأصاب ساق ابنه فنزفَ فماتَ، فجاء سُراقة عمر بن الخطاب في ذلك، فقال: وافني بقديدٍ بعشرينَ ومائةِ بعير، فإني نازلٌ عليكم فأخذ أربعينَ خلفهُ، ثنية إلى بازل عامها، وثلاثينَ جذعة وثلاثينَ حقةً، ثم قال لأخيه: هي لك وليس لأبيك منها شيء، وذكروا أنهم عَذروا قُتادة عند عمر، فقالوا: لم يتعمده إنما أراد الحدب فأخطَأتهُ، فغلظَ عمر ديته فجعلها شبه العمد.السنن الكبرى أبو بكر أحمد بن علي البيهقي.


شارك المقالة: