الحجّ من أفضل الطاعات عند ربّ العالمين، وأجلّ الأعمال الصالحة لمحو ذنوب المذنبين.
لقد ذكرَ الله تعالى منافع كثيرةً للحج في قوله جل وعلا في سورة الحج بعد ما أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام:” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ– لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ” (الحج:27-28).
منافع الحج:
- التوفيق لإكمال المسلم دعائم دينه؛ فإنَّ الحج ركن من أركان هذا الدين الحنيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان).
- تعوُّد الانقياد والاستسلام لأوامر الله عز وجل وإن لم يظهر لعقلك وجه الحكمة فيها ؛ فالحاج في هذا المكان المخصوص من بين بقاع الأرض كلها ،ولأداء هذه العبادة في هذا الوقت المحدَّد لها، وتطوف بهذا البيت، وتقبيل هذا الحجر ، ورمي هذه الجمرات .. كل ذلك انقياداً لأوامر الله عز وجل؛ فيهون عليك تنفيذ كل الأحكام الشرعية وإن لم يظهر لعقلك وجه الحكمة منها، وتنقاد لكل ما من شأنه أن يعلي هذا الدين وإن لم يظهر لك أنت ما ظهر لغيرك في ذلك.
- التذكير ببعض الأمور المرحلية التي سيمرُّ بها المرء لا محالة، كالموت والبعث والجزاء فيعد لها العدَّة اللازمة من زاد ومركب ينجيه من مهالك الطريق ويجنبه عثراته ، وفي الحج صور مصغَّرة لبعض تلك الأمور المرحلية؛ فبمجرد خروج الحاجّ من بلده مرتدياً ثوب الإحرام، ويسكبون الأهل العبرات عند توديعك فإنكَ تتذكر خروجك من بينهم من دار الدنيا إلى الدّار الآخرة خروجاً لا لقاء بعده في هذه الحياة فيهون عليك هذا الخروج الذي ترجو بعده اللقاء والوصال، وتعد العدّة لذلك السّفر كما تعدها لهذا السفر، وأنت بعد في مهلة من أمرك ؛ وبوقوفك بصعيد عرفة في هذا الكم الغفير تتذكر موقفك في الحشر حين يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، وتدنو الشمس ويلجم الناس العرق ويشتد الكرب والخطب فتُعد العدّة لذلك الموقف الذي أنت ما زلت في مهلة من أمرك.
وبانصرافك من عرفة عشية دنو الربّ ومغفرته لعباده في هذا اليوم العظيم، فإنّك تتذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل وانصرافك من ذلك الموقف إمّا إلى جنةٍ وإمّا إلى نارٍ، فتنشط لإعداد العدّة وأنت بعد في مهلة لإدراك الخلل قبل أن تتمنّى الرجوع فلا تمكن من ذلك، قال تعالى:” حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ – لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ“(المؤمنون99-100).
وقال: “والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفَّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير”(فاطر36-37). - غفران الذنوب لمن حج هذا البيت مخلصاً لله في حجّة متبعاً أوامر الله ومجتنبا نواهيه؛ قال تعالى:”فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى”(البقره203).
وقال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله بعد أن ذكر خلاف المفسرين في معنى هذه الآية :”وأولى هذه الأقوال بالصحّة قول من قال تأويل ذلك : فمن تعجَّل من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه يحط الله ذنوبه إن كان قد اتقى في حجِّه فاجتنب فيه ما أمر الله باجتنابه وفعل فيه ما أمر الله بفعله وأطاعه بأدائه ما كلفه من حدوده ومن تأخَّر إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر النّفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول فلا إثم عليه لتكفير الله ما سلف من آثامه وإجرامه إن كان قد اتقى الله في حجِّه بأدائه حدوده ” ثمّ ساق الطبري رحمه الله جملة من الأحاديث الدالة على تكفير الحج للذنوب. - الفوز بالوقوف في صعيد عرفة في ذلك اليوم العظيم، والمكان المشهود عشيةً يدنو الرب جلَّ وعلا فيباهي بأهل ذلك الموقف ملائكته، ويغفر الذنوب، ويَصفح عن الزلات ويحقق الآمال والمطالب، ويعتق الرقاب من النار؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنَّه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء.
ذض - إن الحج موسم تجارة وحصاد عالمي حيث المكان الذي تجبى إليه ثمرات كل شيء كما نطق به قوله تعالى: “وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (57)، إنّه المكان الذي تجتمع فيه خيرات الأرض كلها ويتبادل الحجيج فيه منافع التجارة ويعقدون الصفقات المربحة.