ما حكم العمد الذي لا قصاص فيه ولا خطأ؟

اقرأ في هذا المقال


حكم العمد الذي لا قصاص فيه ولا خطأ:

إذا سقط القصاص لعدم توافر أي شرط من شروطه أو لعفوِ المجني عليه عن القود في الجناية التي ينشأ عنها فصل عضوٍ أو ذهاب منفعته، تجب الدّية، وكذلك إذا كانت الجريمة في هذا المجال خطأ، إذ إن ما لا قصاص في عمله يستوي فيه الخطأ والعمد، من حيثُ وجوب الدية أو الأرش عند جمهور الفقهاء. والدية تجبُ كاملةً، وقد يجب جزءً منها، وقد يكون الواجب أرشاً غير مقدر.
أما الديةُ الكاملةُ إن سبب وجوبها هو تفويتُ المنفعة المقصودة من العضو تفويتاً تاماً، وهذا يحصل بأحد أمرين:
الأول: إما أن يكون ناتجاً عن إبانة العضو.
الثاني: أو إما أن يكون ناتجاً عن إذهاب منفعته مع بقائه لصورته، ففي كلتا الحالتين لا تبقى للعضوِ منفعةً. وغنى عن البيان أن الدّية تكون كاملةً إذا كان العضو الذي فاتت منفعته عضواً وحيداً في البدن، وكذلك تجب كاملةً إذا تعدد العضو، لكن فاتت المنافع جميعاً بالجناية.
ومن المثالُ على العضو الفذ في الجسم الذي تجب فيه الدية كاملةً، الأنف بما فيه القصبة، واللسان، وعضو التناسل، فجميع هذه الأعضاء لا يوجد من البدن من كل منها إلا عضوٌ واحد، فإذا قُطع بالجناية، فقد ذهبت منفعته نهائياً: فتجب في كل منها الدية كاملةً، وقد روي هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وإذا كان الذي ذهب بالجناية هو منفعة العضو فقط، مع بقاء صورته، مثل ذهاب حاسة الشم أو الذوق أو ذهاب العقل، فإن الدّية أيضاً تجبُ في كلٍ منها؛ لأن زوال المنفعة على وجه الكمال موجبٌ للدية، وقد قضى عمر فيمن ضرب آخر على رأسه وأذهب عقله وكلامه وبصره ومنفعة عضو تناسلهِ بأربع دياتٍ لذهاب المنفعة المقصودة من هذه الأعضاء على سبيل الكمال.
وإذا ترتب على الجريمة ذهاب منفعة العضوين مع بقائهما صورة، مثل أن يذهب بصر العينين مع بقاء وجودهما في وجهه، أو أن تذهب حاسةُ السمع في الأذنين مع بقائهما على حالهما، فإن الدّية كذلك تجب كاملة في كل اثنين من مثل هذه الأعضاء؛ لأن المنفعة المقصودة منهما قد فاتت بالجناية على سبيل الكمال، ولا عبرة بصورتهما مع فوات كاملِ المنفعة، وقد تقدم قضاء عمر فيمن ضرب آخر، فاذهب بالضرب منافع أعضاء منها البصر، إذا قضى بالدّية كاملة في ذهاب البصر.

الحالات التي يجب فيها جزء الدّية:

قد يكون الواجب نصف الدية، إذا كان محل الجريمة عضواً يوجد في الجسم منه اثنان، ومن المثال على ذلك، هو أن يلحق التلف عيناً واحدةً للمجني عليه أو يداً واحدةً أو رجلاً واحدةً أو أُذناً أو شفةً، فإذا ضرب الجاني المجني عليه ضربةً قويةً أدت إلى تلفِ عضوٍ من الأعضاء، وسقط القصاصُ لسببٍ ما، أو ترتب على الجريمة غير العمدية شيءٌ من ذلك، فإنه توجب نصف الدية، ويستوي أن يذهب بالجريمة نفس العضو أو تذهب منفعته كاملةً مع بقاء صورته، وإنما تجب نصفُ الدية؛ لأن ذلك مرويٌ عن النبي عليه الصلاة والسلام في كتابه لعمرو بن حزم؛ وفضلاً عن ذلك فإن المنفعة المقصودة من الأعضاء التي توجد مزدوجة في الجسم يفوت نصفها على سبيل الكمال إذا ذهب بالجناية بالجناية واحد منها، أو ذهبت بالجناية منفعته على سبيل الكمال.
وقد يكون الواجب ربع الدية، وذلك إذا كان العضو الذي تلف بالجريمة من الأعضاء التي يوجد منها في البدن أربعة، ومثاله، شفر العين إذا لم تنبت الأهداب، سواء قطع الشعر وحده، أم كان معه جفن العين. وقد يكون الواجب عُشر الدّية، وذلك في مثل قطع إصبع من أصابع اليد أو القدم، أو إذهاب منفعته بالجريمة، والأصل فيه قول الرسول صلّى الله عليه وسلم إن في كلّ اصبع عشراً من الإبل.

الحالات التي يجب فيها أكثر من الدية:

إن الحالات التي يجب فيها أكثر الدّية، ومثالها أن يكون التلف قد لحق جميع أسنان المجني عليه، فإذا ضربة فسقطت أسنانه جميعاً، ولم يكن في ذلك قصاص، أو كانت الجريمة غير عمدية، فنشأ عنها ذلك، فإن الواجب في هذه الحالة هو الدية كاملة وثلاثة أخماسها؛ لأن الأسنان للشخص الواحد عدتها اثنتان وثلاثة أخماس دية، وغنى عن البيان هنا كذلك أنه يستوي أن يكون الذي ذهب بالجناية نفس العضو أو منفعته فقط. فإذا لم يكن قصاص ولا دية ولا أرش مقدر فإنه يجب أرش غير مقدر حتى لا تبقى الجريمة دون جابر أو زاجر، ويسمىّ الأرش غير المقدر بالحكومة، أو حكم العدل، وهو ما يحكم به الحاكم في الجنايات التي ليس فيها شيء مقدر من الشارع.


شارك المقالة: