حكم بيع ماء زمزم:
ماء زمزم: هو ماءٌ شريف ومبارك وطاهرٌ، وهو كما رواه مسلم بأنّه: “طعامٌ طعمٍ وشفاءُ سقم”، وهو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ومنها: “زمزمُ لما شُربت له”. فالحديث يدلُ على أنّ زمزم لها فضلٌ عظيم وفي شربها داء لكل سقيم.
لا بدّ أنّ أصل ماء زمزم الرئيسي هو من المياه التي تتنزلُ من السماء والتي تستقرُ في قاع الأرض وتخرجُ من جوفها، فقال تعالى: “وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ” فالله تعالى جعل في داخل الأرض مخازن تُمسك الماء الذي يجري في الأودية ويبقى ذلك الماءُ حتى يُستخرج بالدلاء أو عن طريق المضخاتِ، وأحياناً يسيلُ على وجه الأرض كما في أغلب الدول التي يوجد فيها عيونٌ جارية نابعة من الأرض.
لقد ورد عند بعض أهل الآثار بأن الصحابة كانوا يُزودون أنفسهم بماء زمزم ويرحلون به خارج مكة المكرمة، وهذا الأمرُ كان دليل على أنّ اعتقادهم بأنّه شفاءٌ وفيه بركةً، لجميع أهل الأمّة، وكان أهلُ الجاهلية يقدرون هذا الماء ويحترمونهُ ويَسقون منه الحجيج وكانوا يفتخرون بذلك الأمر وقد أنزلَ الله تعالى في ذلك قوله: “أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” التوبة:19. وأنّ قريش كانت تفتخرُ كثيراً حينما تقول: نحنُ نسقي الحاج وننحرُ الكوم، أي القطعةُ من الإبل، أي أنّه دليلٌ على فضله للمسلمين وغيرهم.
وقد قيل أيضاً: بأنّهُ يصحُ بيعُ زمزم؛ لأنّ بعض الآثار عند الصحابة قاموا بنقل ماء زمزم إلى المدينة مع العناء والتعب وطول السفر في ذلك الوقت، وكان ذلك يدلُ على فضلهِ والاستطباب به، لما ورد في الحديث في قصة أبي ذرّ، وهو أنّه مكث بضعةُ أيام ولا يملك طعاماً سواء ماء زمزم، قال: حتى سمنتُ وتكسرت عكنُ بطني، وقال عليه الصلاة والسلام: “إنّها طعامُ طُعمٍ وشفاءُ سُقمٍ” لذلك قالوا يجوز بيعهُ كما هو الواقعُ عند الكثير من المسلمين.
أمّا من ناحية بيع زمزم في المساجدِ فإنّه لا يصح بيعهُ ولا بيع غيرهِ، فقد نهى عليه الصلاة والسلام عن البيع والشراء في المساجد، وأمر أن يقول لمن يبيعُ فيها “لا أربح الله تجارتك” أمّا إذا كان هناك أناسٌ يسقون في داخل المسجد واضطر لشربة ماءٍ من زمزم أو غيره، فيحقُ له أن يدفع ثمنها من غير أن يكون هناك مماسكة.
وأمّا من ناحية الاغتسال من ماء زمزم بهدف التبارك منها، فإنّه يصحُ ذلك، سواء كان للاغتسال الكاملِ أو لغسل بعض الأعضاء مثل الرأس أو الوجه أو غسل الثياب أو ما يُشبه ذلك، لما فيها من بركة، ولذلك الأمر يصحُ أن نعتقد فيها بأنها سببٌ مستقلٌ مؤثرٌ بنفسه، ولكنّ الله تعالى جعل فيها البركة والخير، فيقتصرُ ذلك الأمر على أنّها سببٌ مستقلٌ مؤثر بذاته، وإنّما جعل الله تعالى فيها من الخير كله والبركة كلها.
أمّا الأصل أنّه لا يجوز أن يُباع الماء ما دامَ نبعه أو في مجراه، فإذا كان في حوزة أحد، وأخذهُ في إنائهِ، مثلاً، فيحقُ له أن يبيعهُ بدون خلاف بين العلماء.
ومن السّنة أن نشرب من ماء زمزم كما شرب منها النبي عليه الصلاة والسلام لما في مائها من بركة وهي طعامٌ مبارك وطيب. وهي طعامٌ يُشرع للمسلم الحاج أو المعتمر أن يشرب منه إذا تيسر، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ويُستحبُ للحاج أو المعتمر أيضاً أن يتوضأ منها إذا تيسر له ذلك، ويجوز له الاستنجاءُ منها والاغتسالُ من الجنابة إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك.
أمّا ما يحتوي الماء في أوانيهِ فإنّهُ يملكهُ بذلك، ويحقُ له بيعهُ بدون خلاف عند أهل العلم، وعلى ذلك فقد جرت العادة في الأمصار ببيعِ الماء في الروايا من غير إنكار، ولا يجوزُ لأحدٍ أن يشرب منه ولا يتوضأ ولا يأخذ منهُ إلّا إذا استأذن مالكهُ، وكذلك لو وقف على بئره أو بئرٍ مباح، فاستقى بدلوه أو بدولاب أو ما يشبه ذلك، فهو ما يُرقيه من الماء فهو ملكه، وله أن يبيعه لأنّه ملكه بأخذهِ في إنائهِ.
فقال أحمد: إنما نُهى عن بيعُ فضل ماء البئر وماء العيون في قراره، ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحقُ بمائها. فهذا هو الكلام الأصح في السنة الذي دلّ عليه الإمام أحمد.