طبيعة العوض أو البدل في الخلع:
فالبدل هو: المقابل الذي تلتزم به الزوجة لزوجها من أجل طلاقها والخروج من الزوجية، حين تجد الزوجة أن البقاء مع زوجها قد يوقعها فيما لا يرضى الله فقد قال الشوكاني : وظاهر أحاديث الخلع أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع، وعليه يشترط في البدل أن يكون مالاً له قيمة فكل ما صلح يصلح لأن يكون محوراً في النكاح، وصلح أن يكون بدلاً في الخلع، ويجب أن يكون حلالاً طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح بالخمر والخنزير إذ لا قيمة لهذه الأشياء في الشريعة الإسلامية.
ومن الجهة القانونية يجب أن يكون البدل في الخُلع متعادلاً للصداق أو للشيء الذي أنفقه الزوج أثناء زواجه، ويجوز أن يكون أكثر من ذلك أو أقل منه. وفي ما يخص ذلك قال ابن رشد: وأنّ اسماء الخُلع والفدية والصلح والمبارأة جميعاً ترجع إلى معنى واحد، وهو بدل المرأة العوض على طلاقها. إلا أن الخلع يختصّ ببدلها له جميع ما أعطاها والصلح
ببعضه والفدية بأكثره والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه.
البدل وحقوق الأطفال:
إنّ المادة 119 التي تنص على أنه لا يجب الخُلع بشيءٍ يتعلق بحقوق الأولاد إذا كانت المرأة معسرة، فنجد أنها اشترطت في البدل الذي يتعلّق به حقوق الأولاد بيسر الزوجة، فالزوجة التي تستطيع قانوناً أن تُخالع بالحقوق المالية العائدة لأولادها مثل النفقة والحق في المسكن وأجرة الرضاع إذا كانت موسرة، ولكن في حالة إعسارها يمتنع عليها القيام بذلك.
يتبين من صيغة المادة أنها غير دقيقة إذ تنص على أنه “لا يجوز الخلع” فيعني هذا أنّ الخُلع إذا وقع بما يمس حقوق الأولاد لا يكون صحيحاً، فهذا يخالف ما جاء في الفقه المالكي وهو أنّ الخُلع إذا وقع على نفقة الأولاد بعد فترة الرِضاع أو على ما يمسُ حقوق الأطفال كان الخُلع أي الطلاق صحيحاً ونافذاً ويُبطل ما وقع عليه الخلع. فالمقصود بعدم الجواز هو بطلان التزام الأم الضارّ بالأولاد، أما الطلاق الذي يقع مقابل الالتزام فيبقى صحيحاً.
فالمادة 119 أيضاً قد ربطت عدم جواز الخُلع بعُسر المرأة، وهذا يعني أن عدم الجواز قاصرٌ على الالتزامات الضارّة بالأولاد كالحضانة والرضاعة، ولكن في الواقع أنّ الأم إذا رغبت في إنهاء العلاقة الزوجيّة فعليها أن لا تحقق رغبتها على حساب الأولاد، ولا يحق لها أن تضربهم سواء بتحمّل النفقة وهي غير قادرة، أو بالتنازل عن الحضانة والرضاع مع ثبوت أضرار هذا التنازل بالطفل.
وكذلك يبقى النص قاصراً عندما قصر عدم نفاذ الالتزامات المالية الضارة بالأولاد على حالة عُسر الأم وقت التزامها ونسيّ أنه بالإمكان الإضرار بالأولاد، حتى ولو لم تكن المرأة مُعسرة وقت التزامها، ورغم القصور الذي حصل فإنّ هذه المادة نستنتج أن المدونة اشترطت الغنى في صحة التزام الزوجة في الخلع. بمعنى أن المرأة إذا خالعت زوجها على أن تتحمّل هي جميع النفقة على الولد، وأسقطت الحق الواجب لهم على أبيهم، فإن كانت غنيةً قادرة على أن تقوم بشؤون الولد وغير مُحتاجة لما يدفعه الزوج، فقد وجبَ التزامها، وأما إذا كانت معسرة محتاجة فالتزامها لا يُقبل لِما فيه من إلحاق الضرر بالأولاد وبنفسها، ويقع الخلع ويحدث أثره وتحرج عن صمته زوجها، ويجب عليه أداء الواجب لها ولأولادها فهذه المادة جاءت تنص على أنه إذا أعسرت الأم المُختلعة بنفقة أطفالها وجبت النفقة على أبيهم دون مساسٍ بحقه في الرجوع عليها.
الإختلاف مقابل الخلع:
في حالة اتفاق الزوجين على مبدأ الطلاق بالخلع، واختلافهما في مقداره يتم رفع الأمر إلى المحكمة التي تحاول الإصلاح بينهما، فإذا تعذّر ذلك حكمت بنفاد الخلع بعد أن تتولى تحديد وتقدير مقابلة مع مراعاة مبلغ الصداق الذي
تم دفعه من طرف الزوج وفترة الزواج وأسباب طلب الخلع، والحالة المادية للزوجة، وإذا تعلق الأمر بقاصرة
على المحكمة أن تراعي مصلحتها عند تقدير بدل الخلع.
ألفاظ الخُلع:
يرى الفقهاء أنه لا بد في الخُلع من أن يكون بلفظ الخُلع أو بلفظٍ مُسبق منه. أو لفظ يؤدي معناه.مثل “المبارة أو الفدية”. فإذا لم يكن بلفظ الخُلع ولا بلفظ فيه معناه، كأن يقول لها” أنتِ طالق في مقابل مبلغ كذا، وقبلت، كان
طلاقاً على مال ولم يكن خُلعاً.
وناقش ابن القيم الجوزية فقال: “ومن نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها: يُعد الخُلع فسخاً بأي لفظٍ كان، حتى بلفظ الطلاق”. وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ونقل عن ابن عباس.