أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره:
أول وقت صلاة الليل والوتر يكون بعد صلاة العشاء، وآخره يكون عند طلوع الفجر والدليل على ذلك هو ما يلي:
– عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء “وهي التي يدعو الناس: العتمة” إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن قام، فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة”. أخرجه مسلم.
– وعن أبي بصرة الغفاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :“إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر”. أخرجه أحمد. وقيل أن الحديثان ظاهران في أن صلاة الليل والوتر وقتهما يبدأ من بعد صلاة العشاء “التي يدعو الناس :العتمة” إلى الفجر.
ويؤكد أن آخرها الفجر وهذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: “فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة تُوتر له ما قد صلى”. وقال ابن نصر: إنّ الذي اتفق عليه أهل العلم وهو أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقتٌ للوتر، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يُصلي الفجر، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوتر قبل طلوع الفجر.
لقد قيل إنّ الأفضل في حق من خشي الله أن لا يقوم آخر الليل بل الصلاة في أوله، ومن وثق من نفسه، فالأفضل له تأخيرهُ إلى آخر الليل، لما ثبت عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خاف أن لا يقوم من آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره، فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودةً، وذلك أفضل”. أخرجه مسلم.
– عَن ابنِ عمَر رضِي اللَّهُ عَنهما أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ”.
– عَن ابنِ عمر رَضِي الله عنهُما عن النبي صلّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ قال: “إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ” صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن رشد القرطبي: أنه اتفق العلماء على إنّ وقت الوترِ يبدأ من بعد صلاةِ العِشاء حتى طلوع الفجر؛ وذلك لورود عدة طرقٍ شتى عنه صلى الله عليه وسلم، ومن أثبت ما في ذلك الأمرُ أيضاً هو ما أخرجه مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال: “الوتر قبل الصبح” واختلفوا في جواز صلاته بعد الفجر، فهناك قومٌ منعوا ذلك، وقومٌ آخر أجازوه ما لم يُصل الصبح، وبالقول الأول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري، وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد. وسبب اختلافهم هو معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار.
أدلة من القرآن على صلاة الليل:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثم أنبأ بخصالِ المؤمنين، فقال: “عَلِمَ أَن سَيَكونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ”، قال: افترض الله القيام في أوَّل هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، ثم أنزل التخفيف في آخرها، فصار قيام الليل تطوُّعًا بعد فريضة.
وقول الله تعالى: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْراً” أي بما معنى أنه ما تقدِّموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم هو خيرًا لكم مما قدَّمتم في الدنيا، وأعظم منه ثوابًا؛ أي: ثوابه أعظم من ذلك الذي قدَّمتموه لو لم تكونوا قدَّمتموه.
إنّ الله تعالى ورسولهُ يأمر أن يترك التزمّل، ألا وهو التغطي في الليل، وأن ينهض إلى القيام لربه عز وجل كما قال في كتابه العزيز: “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” السجدة: 16. وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل، وقد كان واجبًا عليه وحده.
كما قال تعالى: “وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا” الإسراء: 79. وها هنا بيَّن له مقدار ما يقوم، فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً”. المزمل:1-2.