إبراهيم عليه السلام والخوف من الله:
لقد ذكر الخوف من خليل الرحمن في رده على قومه من عبدة الكواكب، كما يظهر في بعض الآيات حين كان يُحاجج قومه على سخف عبادتهم، فبان لهم صدقه وقوة حجته، فما كان منهم إلا أن خوفُوه بالآلهةِ التي يعبدونها من دون الله ظانين أنها قد توقع هلاكاً به عليه السلام، ولكنه ردّ عليهم رد الواثق والمُتيقنُ بعظمة الله وقدرته على الخلق، فقال تعالى: “وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ–وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ–الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” الأنعام:80-82.
إنّ معنى حاجّه قومه أي جادلوه في آلهتهم، وخوفوه بها، فردّ عليهم كيف أخاف الذي هداني لتوحيده ومعرفته سبحانه؟ فإني لا أخاف آلهتكم كونها لا تملك نفعاً ولا ضراً، فهي لا تقدم مكروهاً إلا بإذن من الله فالمكروه حينما يُصيب هو من جهة الله سبحانه لا من جهة أصنامكم المزعومة، فالنفع والضر بيده لا بأيديهم فلذلك قال: “إلّا أن يشاء ربي شيئاً” ،فكله بمقتضى مشيئته سبحانه، “وسعَ ربي كل شيء علماً” أي أحاط بعلمه كل شيء فلا يخفى عليه شيء،“أفلا تتذكرون” أي ألّا تعقلون سخف عبادتكم لآلهة لا تنفع ولا تضر، فتنزجروا عن عبادتها، ألا تميزون بين بين من يقدر ومن يعجز، وتخافونها والأحق بالخوف هو الله سبحانه وتعالى.
وحوار إبراهيم عليه السلام من عبدة الكواكب قرر لهم قاعدة في الأمن والخوف، فقال لهم: “وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” الأنعام:81. أي كيف يخاف عليه السلام ممن ليس بيده الضر والنفع وليس بيده الضر والنفع وليس بيده الضر والنفع وليس بيده أي شيء، بل هم أموات، وقومه لا يخافون أنهم أشركوا مع الله القادر القوي غير بدون برهان أو دليل قاطع، فكأن كلامه لهم بتعجب واستغراب، مالكم تنكرون على الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف، إنه عليه السلام يُبين لهم من الأحق بالأمن، فقال: “أي الفريقين أحقُ بالأمن”، ولم يقل أينا أينا أحق بالأمن، وذلك من الأدب في المناظرة في أوج الحجة والبرهان، حتى لا يتمسك الناس بالباطل، ويتعنتوا بسبب انهزامهم أمام الحق فيُكابروا بالباطل الذي هم عليه، ولقد بين عليه السلام أن الأولى بهم أن يخافوا من الله لشركهم به غيره دون استحقاق، بدلاً أن يخوفوه هم فالخوف يلحق الذي يعبد ما لا ينفع ولا يضر، أما الأمن فإنه لمن عبد الله الذي هو على كل شيءٍ قدير، وهو الذي بيده النفع والضر وبيده كل الخير، فقاعدة الأمن ملخصة في قوله تعالى: “الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانُهم بظلم أولئك لهم الأمنُ وهم مهتدون” أي من أخلص لله بالتوحيد ولم يشرك معه أحد من خلقه فذلك له الأمن، ومعنى الظلم في الآية: الشرك كما في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “لَمَّا نَزَلَتْ: “الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بظُلْمٍ” الأنعام:82. شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وقالوا: أيُّنا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ليسَ هو كما تَظُنُّونَ، إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ: “يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” لقمان:13. فمن آمن بالله وحده، ولم يُشرك معه غيره هو الآمن يوم القيامة، المهتدي في الدنيا والآخرة، ومن أشرك به فالخوف لازمه، وبهذا قامت الحجة على قوم إبراهيم عليه السلام وكل هذا بفضل من الله سبحانه على ما وهبه لإبراهيم عليه السلام من قوة وبيان الحجة.
ما هي قصة إبراهيم عليه السلام مع ضيوفه:
إن إبراهيم عليه السلام كأي شخصٍ من البشر يمتلكهُ الخوف الفطري، وقد ظهر ذلك عند مجيء الملائكةِ إليه ضيوفاً عنده فأطعمهم، فلم يطعموا من طعامه، فظهرت علامات الخوف عليه، وقد ذكر الله ذلك في كتابه واصفاً حالهُ عليه السلام: “فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ” الذاريات:28. ومن المؤكد أنّ هذا لا يطعن في نبوته عليه السلام، وإنما في ذلك إثبات لبشريته عليه السلام والتي هي من صفات الرسل عليهم السلام.
إن إبراهيم عليه السلام كان من الأنبياء الذين اصطفاهم الله لعظيم العبادات التي قام بها ، ولأنه عليه السلام كان كثير الخوف من الله سبحانه وتعالى، فدل قومه إلى عبادتهم لله سبحانه وتعالى ووجههم إليه وخوفهم به، إذ كيف سيلاقوه يوم القيامة وما أشركوا به، وماذا عسى أن يكون لهم في ذلك الموقف، فإبراهيم عليه السلام كان رحيماً رقيق القلب بهم على خلاف ما كانوا هم عليه معه.