تعريف التعزير:
التعزير في اللغة: وهي مصدر عزر من العزر، وهو الرد والمنع، ويقال عزرَ فلانُ أخاه أي بمعنى نصره؛ لأنه منع عدوه من أن يؤذيه ومن ذلك قوله تعالى: “وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ” الفتح:9. ويقال عزرته أي أدبته ووقرتهُ، فيأتي بمعنى التوقير؛ لأنه إذا امتنع بالتعزير وصرف عما هو دنئ فإن الوقار يحصل له بذلك، وقد سميت العقوبة تعزيراً بهذا الإسم؛ لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم أو العودة إلى اقترافها. ويُعرفه الفقهاء، بأنه عقوبة غير مقدرة تجب حقاً لله أو لآدمي، ففي كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وهو كالحدود في أنه تأديب استصلاح وزجر.
هل يجتمع الزجر مع غيره من العقوبات المقدرة:
ذكر الفقهاء في تعريف التعزير أنه يكون في كل معصية، لا يوجد فيها حدّ ولا كفارة. ويمكن التعليل بأن العقوبة المقدرة من حد أو قصاص، وكذلك هي الأجزيةَ التي أوردها الشارع للجرائم التي شُرعت لها ما دام أن للفعلِ عقوبة مقدرة، فالمفروض أنها تحلُ محل العقوبة التعزيرية غير المقدرة.
قال الشافعية إن المراد بالتعزير في كل معصية لا حدّ فيها أن يدخل في نطاق التعزير جرائم الاعتداء على ما دون النفس المستوجبة للقود، مثل قطع الأطراف عمداً. فعلى ذلك يجوز أن يجتمع التعزير مع القصاص فيما دون النفس من جرائم الاعتداء على البدن. كما يجوز عند الشافعي أيضاً أن يجتمع التعزير مع الحد، ومثال على ذلك تعليق يدّ السارق بعد قطعها في عنقه ساعةً من نهار زيادة في نكاله، والزيادةُ على الأربعين سوطاً في حد الشرب؛ لأن حد الشرب عنده أربعون، وكلُ زيادةً على ذلك تعتبر تعزيراً.
قال ابن عبد السلام باجتماع عن التعزير مع الحد فيمن زنا بأمه في الكعبة صائماً رمضان معتكفاً، فإنه يلزمه الحد والعتق والبدنة، ويُعزر لقطعِ رحمه وانتهاك حرمة الكعبة. ولكن يمكن أن يقال في هذا المثال الأخير بأن التعزير لم يكن لجريمة الزنا، حتى يمكن اعتباره مجتمعاً مع الحدّ في جريمة واحدة، بل إن التعزير هو جريمةٌ أخرى جاءت في كلام ابن عبد السلام، هي قطع الرحم وانتهاك حرمة الكعبة، فلا شك أن هذا معصية تستوجب التعزير.
ويمكن أن نقول بناءً على ما تقدم بأن التعزير شُرع لكل معصية ليست فيها عقوبةً مقدرة. وهذه تعتبر قاعدة، ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يجتمع التعزير مع العقوبة المقدرة، إذا كان في ذلك مصلحة، إذ أن التعزير يدور مع المصلحة. ويلاحظ أن العقوبات المقدرة المنتهية بالإعدام كالقصاص في القتل العمد، لا يكون للقول بالتعزير معها محلٌ ما دامت العقوبة المقدرة ستؤدي بحياة الجاني، وإلا لكان في التعزير في مثل هذه الحالات زيادة نكال لا تتفق مع مقصدِ الشارع الحكيم.