تنوّعت المعاملات المالية المشروعة في الإسلام، لأنّ التعامل المالي من الحاجات اللازمة في حباة الناس، ويلجأ إليها كل الأفراد سواء لتوفير متطلّبات الحياة أو لاستثمار أموالهم وتنميتها، ولتسهيل اختيار الأفضل والمناسب، وبيّن الإسلام أحكام كل من هذه المعاملات وشروط العمل بها، والقيود والضوابط التي يجب الالتزام بها، ومن هذه المعاملات عقد المضاربة.
مفهوم عقد المضاربة:
هي عقد يتم بين طرفين، يقوم الطرف الأوّل بتقديم المال، ويقدّم الطرف الثاني العمل والاتّجار بالمال، مقابل نسبة من الربح محددة ومعلومة للطرفين، وفي النظام المصرفي الإسلامي يكون العميل هو المضارب الذي يقدّم العمل، والبنك في دور صاحب المال الذي يقدّم المال للعميل.
أنواع عقد المضاربة:
تجوز المضاربة ضمن أحكام المعاملات المالية الإسلامية على نوعين، وهما كالتالي:
- المضاربة المطلقة: هي عقد مضاربة حُر غير مُقيّد نهائياً، لا بزمان ولا بمكان، ولا يُلزم المضارب بنشاط تجاري معيّن وله حُريّة التعامل مع الجهات والأفراد كما يُريد.
- المضاربة المقيّدة: هي عقد مضاربة مقيّد بقيود وشروط محدّدة، ويصح عقد المضاربة المتعلّق بشروط، وعلى المضارب أن يضمن في حال مخالفة أي شرط.
مشروعية عقد المضاربة:
لم يُنكر الرسول_ صلّى الله عليه وسلّم_ التعامل بالمضاربة على الناس، وهذا إقرار بمشروعية عقد المضاربة، كما ضارب_ عليه الصلاة والسلام_ في أموال السيدة خديجة_ رضي الله عنها_، وفي الحديث الشريف عن النبي_ صلّى الله عليه وسلّم_ أنّه قال: “ثلاث فيهنّ البركة، البيع إلى أجل والمضاربة وخلط الشعير بالبر للبيت لا للبيع” سُنن ابن ماجه.
وذلك تكون المضاربة عقد جائز شرعاً، حيث جاء الإسلام وأقرها على الناس الذين كانوا يتعاملون بها قبل الإسلام، وعمل الصحابة_ رضي الله عنهم_ في المضاربة، وتم توضيح أحكام وشروط العمل بها بناءً على ما جاء في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة، والاستعانة ببعض الاجتهادات في كُتب الفقه.
شروط صحّة عقد المضاربة:
لضمان التعامل بعقد مضاربة صحيح يجب الالتزام بشروط صحّتها، والتي تنقسم إلى ما يلي:
- شروط رأس المال: يُشترط في رأس المال الخاص بعملية المضاربة أن يكون من النقود المضروبة، ولا يكون ديناً في ذمة المضارب، ويكون معلوماً بالقدر ومحدّد، ويكون مسلّماً للعامل المضارب الذي يقدّم العمل، ومن النقود المسكوكة التي تُستخدم في بلد معيّن.
- شروط توزيع الربح: يجب أن تحديد حصة العامل المضارب من الربح، وليس بالضرورة تحديد حصة صاحب المال، وتتحدّد الحصة من الربح بالنسبة وليس المقدار كالرُّبع أو النصف وهكذا.
- شروط تنفيذ عقد المضاربة: يجب تحديد ما إذا كانت المضاربة مقيّدة أو مطلقة، والاتفاق على تحديد الطرف الذي يتحمّل نفقة العامل المضارب، وبما أنّ المضاربة المعاصرة علاقة تعاقدية يجب الاتّفاق على أجل محدّد للعقد، وفيما يتعلّق بشروط المضاربة إذا كانت مقيّدة فعلى صاحب المال تحديد الشروط والاتّفاق عليها والقبول من قِبل الطرفين، ويكون هنا العامل المضارب أمين على المال ويضمن مخالفة الشروط المتّفق عليها.
وهناك العديد من الأمور التي يجب معرفتها والاتّفاق عليه في عقد المضاربة، لضمان مشروعية المعاملة وصحّة العمل بها، كمسألة توكيل المسلم المضارب من قِبل صاحب مال غير مسلم، وهي أمر جائز إذا تم الاتفاق ضمن ضوابط عقد المضاربة المشروعة، والعمل بما يتوافق مع الأحكام الإسلامية.
كما يجب على الطرفين تحديد نوع المضاربة من ناحية الاشتراك في رؤوس الأموال، كأن تكون المضاربة مشتركة في أكثر من رأسي مال، في حال حصل المضارب على عرض رأس مال آخر من طرف ثالث ليُضارب به مقابل حصّة من الربح، وهنا يجب أخذ الموافقة من جميع أصحاب الأموال على خلط أموالهم والعمل به بشكل مشترك.
ويجوز للعامل المضارب في عقد المضاربة خلط أموال المضاربة بماله، إذا حصل على موافقة صاحب المال، فيكون العامل المضارب شريكاً في العمل ومضارباً بمال صاحب المال، فيحصل على الربح الذي حققته أمواله إضافة إلى حصة من الربح الذي تحقق على المال الذي كان مضارباً به. وهناك أحكام أخرى في عقد المضاربة يجب تحديدها والاتّفاق عليها من قِبل الطرفين، مثل مشاركة صاحب المال العامل المضارب في العمل، وهذه مسألة تتطلّب معرفة أحكام محدّدة تختص في توزيع الربح والضمان وغيرها.
وإذا دخل عقد المضاربة شرط فاسد، فإنّه باطل ولا يؤثّر على العقد ويستمر كلٌّ من الطرفين بالعقد لأنّه صحيح، أمّا في حالة فساد عقد المضاربة يجب الالتزام بالأحكام التي تتوافق مع الأحكام الإسلامية، فيعود المال إلى صاحبه بما حقّقه من ربح، ويستحق المضارب أجر المثل على ما قدّم من جهد.