الفرق بين الكفارة والفدية:
تشترك الكفارة مع الفدية فيما يلي:
- إنَّ الكفارة تشترك مع الفدية في التسمية؛ لأن الكفارة يمكن أن تُسمّى بالفديةِ وذلك في قوله تعالى:” فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ “البقرة:196. فإنَّ من حلق لعذرٍ عن هذا الفعل إذا كان الحلق أثناء الحجّ ومع هذا سُميت الكفارة فدية.
- وتشترك معها أيضاً في أن الفدية مقدرةً وكذلك الكفارة فهي مقدرةٌ أيضاً.
وتختلفان الكفارة والفدية في ما يلي: - أن الكفارة تجب عقوبة بخلاف الفدية فإنَّها ليس فيها معنى العقوبة؛ لأن الكفر يُقدم الشيء الواجب ستراً لإثمٍ ارتكبه المكلف وعند إذن تكون عقوبة عليه أما الفدى عندما يقوم بتقديم الفدية فإنَّها ليست عقوبة وإنَّما هي عبادة وذلك لقوله تعالى:”وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” البقرة:184.
- أن الكفارة قدرها الشارع فلا يمكن تجاوز هذا التقدير زيادة أو نقصاناً؛ لأن النقصان يعتبر إتيانا بعقوبة ناقصة ونقصانها يؤدي إلى عدم الاعتداد بها ومن ثم فلا تستر الإثم وأما الزيادة فإنَّه تجاوز لحدّ المقرر لها شرعاً، وكأن المكلف في زيادته يرى في تقدير الله تعالى نقصاً فيزيد عليه وهذا أمر غير مقبول شرعاً ولا عقلاً فقال تعالى:”وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ” الطلاق:1. والمقصود بالحدود هنا: امتثال الأوامر واجتناب النواهي بخلاف الفدية فإنَّها وإنَّ كانت مقدرة ابتداءً ولكنها تقبل الزيادة والنقصان، وهذا يتجلى في قوله تعالى:”وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” البقرة:184. فإنَّ كان إطعام المسكين مقدراً ابتداءً ولكن بالنظر إلى كيفية الإطعام يزيد وينقص بحسب المسكين الآكل بل من حيث المطعم فربما قدم طعاماً فاخراً يرتفع ثمنه أو قدم طعاماً فاخراً يرتفع ثمنه أو قدم طعاماً زهيداً يقل ثمنه بل أن الفقهاء اختلفوا في تقدير الإطعام. فقال الحنفية: تقدر الفدية بنصفِ صاع وقال الشافعي.
- تجب الكفاءة أصلاً في المال والمتتبع لآيات الكفارة يجد أن المشرع قد نص بادئ ذي بدء على الأموال ففي القتل الخطأ قال الله تعالى:”وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ” النساء:29. وكذلك آية الأيمانِ حيث قال:”فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ” المائدة:89. وكذلك كفارة الظهار حيثُ قال تعالى:”وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا” المجادلة:3. وكذلك كفارة الفطر عمداً في رمضان تعتبر مثل كفارة الظهار.
- الكفارة عامة من حيث المكفر فإنَّها تشمل المسلم وغير المسلم، ويدل لذلك قول الله تعالى:”وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ” النساء:89. فإن من صيغ العموم فكل من قام بالقتل وجبت عليه الكفارة، لأن الكفارة فيها معنى العقوبة والعقوبة يتَساوي فيها المسلم وغيرالمُسلم وكذلك كفارة الظهار تجب على الذمي إذا وقع منه ظهاراً قال الخطيب في معنى المحتاج ما نصه الذمي المظاهر كالمسلمِ يكفر بعد عودهُ بالعتق والطعام، ويتصور اعتاقه من كفارته بأن يسلم عبده الكافر أو يرت عبداً مسلماً أو يقول لمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي فيجيبه أو نحو ذلك والصوم منه لا يصح. أما الفدية: فإنَّها قاصرة على المسلم، لأن الفدية لا يخرجها إلا من عجزَ عن الصيام في رمضان كالشيخِ الفاني وعبادة الصوم لا تؤدى إلا من المسلم؛ لأنها عبادة بدنية وتتوقف على الإيمان وذلك مأخوذ من قوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام” فالخطاب هنا متوجهٌ للمؤمنين وعند العجز عن أداء الصوم المفروض تجب الفدية لقوله تعالى:”وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” البقرة:184.
- الكفارة تجب على القادر وغيره ما دام قد ارتكب الإثم الموجب للعقوبة ألا ترى أن الأعرابي الذي واقع امرأته في نهار رمضان وقال للنبي عليه الصلاة والسلام هلكت وأهلكت قال: وما أهلكك قال: واقعت امرأتي في نهار رمضان قال: أعتق رقبة قال: لا أجد قال: أطعم ستين مسكيناً فقال: لا أجد فأعطاه عرقاً فيه تمر قال أطعم به قال: ما بين لابيتها من هو أفقر مني فضحك النبي عليه الصلاة حتى بدت نواجذه فقال: أطعمهُ أهلك فإنه يجزيك ولا يجزي أحداً بعدك. صحيح البخاري. وقد دل هذا الحديث على أن الكفارة تجب على غير القادر وإنما الفدية تختص من عجز عن الصوم ولا يستطيع أداءهِ بعد ذلك.
- الكفارة تتنوع بتنوع الإثم المرتكب أما الفدية فإنَّها قاصرة على إطعام المسكين فحسب.