اللّعان:
اللعان: بمعنى الطرد والإبعاد، وفي اصطلاح الفقهاء ما يجري بين الزوجين من الشهادات والأيمان المؤكدة في حالة مخصوصة وهي إذا رمى الزوج زوجته بالزنا، ولم تكن له بينّة على ذلك وأنكرت الزوجة ذلك إنكاراً باتاً، أو ادّعى الزوج أن ولد زوجته ليس منه، وأنكرت هي تلك الدعوى ولا بينة، فإنهما يلجآن ذاك للملاعنة على الصفة التي بين الله تعالى حيث يقول: “والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين” النور: 6-9 .
المرحلة الثانية لإنهاء عقد الزواج بسبب طروء ما يفسد عقد النكاح هو إتهام الرجل زوجتـه بالزنا فكيف يتم ذلك؟ وما الخطوات الشرعية التي يجب اتباعها إذا حدث مثل هذا، نستطيع بيان هذا الأمر في النقاط التالية:
- عِفـة الزوجة وحصانتها وبما أنها خالصة للرجل، حق شرعي يوجبه عقد الـزواج فضـلاً على أنه واجب شرعي على كل مكلّف في الشريعة الإسلامية سواء كان ذكراً أم أنثى وهـو حق للزوج على زوجته؛ لأنها فِراشه ومن تلدهم على فِراشه ينسب إليه ويشـاركونه طعامـه وشرابه وحياته، وإدخال الزوجة غريباً من حملها على فِراش زوجها من أعظم الإثم، ثم هـو من أعظم هدم المجتمعات وإيجاد الفرقة والبغضاء.
- من الأمور المشدد عليها في الشريعة الإسلامية اتهام شخص ما بالزنا وقد رتّب االله على من فعل ذلك، إما أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون بذلك وإلا جلد ثمانين جلدة وأسقطت شهادته أبداً، ووصم بالفسق كما قال تعالى: “والذين يرمون المحصنات ثم لم يـأتوا بأربعـة شـهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وألئك هم الفاسقون”. النور:4.
- إذا اتهم الرجل زوجته بالزنا ولم يستطع إثبات ذلك بالشهود فإن المرأة تستدعي وتـذكر بالله سبحانه وتعالى فإما أن تُقرّ بما ادعاه الزوج، وفي هذه الحالة يُنفذّ عليها حكم االله في الزاني الثيب وهو الرجم، وإما أن ترفض ما ادّعاه الرجل من اتهامها.
- إذا لم يكن مع الرجل شهود يثبتون اتهامه فإن دعواه على زوجته لا تُقبَل إلا إذا حلف بالله أربع مرات أنه صادق فيما رمى به زوجته من الزنا، ويحلف بالله يميناً خامساً أن لعنـة االله عليه إن كان كاذباً في دعواه.
والمرأة فإما أن تقرّ كما أسلفنا فينفّذ فيها الحد وإمـا أن ترفض الدعوى وفي هذه الحالة لا يخلي سبيلها إلا بأن تقسم أربعة أقسام بالله أنه كاذب فيمـا رماها به من الزنا، وتحلف يميناً خامساً أن غضب االله عليها إن كان صادقاً فيما قـال، وقـد اشتملت الآية التالية على هذه الأحكام حيث يقول االله تعالى:“والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باالله أنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنـة االله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شـهادات بـاالله أنـه لمـن الكاذبين، والخامسة أن غضب االله عليها إن كان من الصادقين”. النور:6-7. - لا بدّ إذا انتهى الأمر على هذا النحو أن أحد الزوجين كاذب يا أن يكون الرجـل مُدّعياً كاذباً أو أن تكون المرأة جاحدة كاذبة، ومع ذلك فإن الحكم في الإسلام يمضي بمقتضى الظاهر ولم يؤمر الحاكم في الإسلام أن يفتّش البيوت ويشقّ الصدور ويعمـد إلـى وسـائل الاعتراف لتقرير أحد الزوجين، إذ كل ذلك من الفساد في الأرض، ولكن إذا وقع اللّعان هنا وكذّب كل زوج صاحبه وأصرّ على موقفه فإن الحياة بينهما تُصبح مستحيلة ولـذلك يُفـرّق بينهما فرقة أبدية لا رجعةً فيها ولا بعقد جديد أو مهر جديد، فإن كان الرجل كاذباً علـى هـذا النحو، فليس جديراً بأن تعيش معه، وإن كانت المرأة كاذبة فليست جديرة بأن يضمها بيت هذا الزوج ثانية.
- لا يحل ولا يجوز أن يسترد الرجل شيئاً ممّا أعطاه لزوجته لا مهراً ولا غيره؛ لأنه إن كان كاذباً فلا يحل له، وإن كان صادقاً فقد استمتع من الزوجة واستحلّ منها سابقاً مـا هـو جزاء المهر، وما أعطاه.
والدليل على ذلك حديث ابن عمر قال: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم للمتلاعنين: “حسابكما على االله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها، قال (أي الزوج): يا رسـول االله مالي؟ قال: لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجهـا، وإن كنـت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها”.رواه بخاري ومسلم. - ليس للمرأة التي يلاعنها زوجها نفقة ولا سُكنى، وإذا وضعت حملها إذا كانت حاملاً، فالولد لها ولا ينسب للزوج المُلاعن، ويدل على ذلك حديث ابن عباس الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود “أن النبي صلى االله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضـى أن لا يدعي ولدها لأب ولا يرمي ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد”.
وفي هذه الطائفة التي ذكرناها آنفاً من أحكام اللعان تتبدّى عظمة تشريع الإسـلام ونظافتـه وقيامه على حفظ الحقوق، وعدم تفتيش السرائر، وتوزيـع الحقـوق والواجبـات بالعـدل. والمحافظة على نُظم الاجتماع ومكارم الأخلاق. وما ضلت البشرية إلا بالخروج على هـذه القيم والتعاليم.