العفو ودليل مشروعيته:
لقد حثت الشريعة الإسلامية في عدة آيات من القرآن والسنة على العفو عن القاتل، والعفو هو أحد الأسباب المُسقطة لعقوبةِ القصاص، وكذلك الدية إذا رضي بذلك أهل القتيل.
العفو لغة: هو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس، وكل من استحق عقوبة فتركتُها فقد عفوت عنه، فقال تعالى: “عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ” التوبة:43. أي محا الله عنك.
العفو اصطلاحاً: اختلف الفقهاء في تعريف العفو، فمنهم من قال: أنه تنازل عن القصاص فقط، وآخرون قالوا: هو تنازل عن القصاص أو الدية.
– تعريف الحنفية والمالكية: هو التنازل عن القصاص بلا مقابل. أما التنازل إلى الدية فإنه لا يسمّى عفواً، وإنما هو صلح،؛ لأن ذلك يتوقف على قبول الجاني أن يدفع الدية؛ لأنهما يذهبان إلى أن الواجب في العمد هو القصاص عينه، لا التخيير بين القصاص أو الدية.
– تعريف الشافعية والحنابلة: هو التنازل عن القصاص بلا مقابل أو على الدية. أما التعريف المختار هو تعريف الشافعية والحنابلة للعفو: وهو التنازل عن القصاص بلا مقابل، بمعنى التنازل من القصاص إلى العفو المطلق بدون دية؛ لأن من تنازل عن القصاص بلا مقابل أو على الدية، وكلتا الحالتين تسّمى عفواً، فمن تنازل عن القصاص دون الدية يسمّى عفواً، ومن تنازل عن القصاص إلى الدية يسمّى عفواً، لأن المجني عليه في كلتيهما قد أسقط حقه.
الألفاظ ذات الصلة بالعفو:
ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ألفاظ تعتبر من مدلول العفو الشرعي، وما يتصل بها من معانٍ ومنها:
- الصفح: ويقصد به ترك المؤاخذة، وأصله الإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى مكانٍ منه، وذلك بدليل قوله تعالى: “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” الحجر:85. والفرق بين العفو والصفح، أن الصفح هو ترك التأنيب، وأبلغُ من العفو، فقد يعفو ولا يصفح.
- المغفرة: ستر القادر القبيح الصادر ممكن تحته، حتى إن العبد إذا ستر عيب سيده خوف عقابه، لا يُقال غفر له. والفرق بين العفو والمغفرة: أن العفو يقتضي إسقاط اللوم والذم، ولا يقتضي إيجاب الثواب والمغفرة تقضي إسقاط العقاب، وهو إيجاب الثواب، فلا يستحقها إلا المؤمن المستحق للثواب.
دليل مشروعية العفو:
لا شك أن العفو جائز بين المسلمين، ولا يلجأ إليه إلا أصحاب الهمم العالية، الصافية من الأضغان والحقد، ولقد وردت كلمة العفو في القرآن الكريم في إحدى وثلاثين آية، ولا يخفى علينا أن الآيات الداعية إلى العفو وعدم رد الإساءة بمثلها، هي في الوقت نفسه تدعو إلى العنف ونذكر جزءً منها: قال الله تعالى: “فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا” النساء:99.