مقادير الكفارات:
مقدار الكفّارات: وهي تعتبر المقدار المفروض على كل من ارتكب مخالفةً شرعية، ففَرضها الشارع عليه زجراً وردعاً له لكي لا يعودُ لمثلها إن كان متعمداً، وكذلك بالنسبة للشخص المخطئ حتى لا يتساهل فيما يجب التباعد عنه. وهي تختلف عنه بحسب النوعية، فالكفّارات كثيرة ومتنوعة، منها كفارة الظهار وكفارة القتل وكفارة اليمين وكفارة النُذور وكفارة انتهاك حرمة رمضان وكفارة الصيد في الأيام الحُرم وغير ذلك من الكفارات، ولكلِ كفارةٍ لها قيمتها وقدرها المعلوم.
حكم إخراج القيمة في الكفارات:
لقد اختلف الفقهاء في إخراج المال في الكفارات على قولين وهما:
القول الأول: وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة أنه لا يُجزئ المالُ عن الطعام. وكان دليلهم على هذا القول هو قوله تعالى:”إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ” المائدة:89. وهذا ظاهرٌ في عين الطعام والكسوة، فلا يحصل التكفير بغيره؛ لأنه لم يؤدِ الواجب إذا لم يؤدِ ما أمره الله بأدائهِ.
– ولأن الله تعالى خيّر بين ثلاثة أشياء، ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة.
– ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى؛ لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة، فهما شيءٌ واحد، فكيف يُخير بينهما؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر فكيفَ يُخير بين شيءٍ وبعضه.
– ثم ينبغي أنه إذا أعطاه من الكسوة ما يساوي إطعامهُ أن يجزئهُ، وهذا خلاف الآية. وكذلك لو غلت قيمة الطعام، فصار نصفُ المدّ يساوي كسوة المسكين، وينبغي أن يُجزئه نصف المدّ، وهذا كان خلافُ الآية الكريمة.
– ولأنه أحد ما يُكفّرُ به، فلا تُجزئ فيه القيمة كالعتقِ، فعلى هذا الأمر لو أعطاهُم أضعاف قيمة الطعام لا يُجزئهُ؛ لأنه لم يؤدِ الواجب ولا يخرج عن عهدته.
القول الثاني: وهو مذهب الحنفية، وأيضاً قول الأوزاعي: أنه يُجزئ إخراج المال في الكفارات. واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
– إن المقصود هنا في هذا القول هو دفع حاجة المسكين.
– أن تمليك الثمن هو أقربُ إلى قضاءِ حاجة المسكين من تمليك عين الطعام؛ لانه به يتوصل إلى ما يختاره من الغذاء الذي اعتاد الإغتذاءُ به، فكان أقربُ إلى قضاء حاجته، فكان أولى بالجواز.
– أن الكفّارة جعلت حقاً للمسكين، فمتى أخرج من عليه الطعامُ إلى المستحقِ بدلهُ وقبله المستحق عن طوعٍ فقد استبدل حقهُ به فيجب القول بجواز هذا الاستبدال بمنزلة التناول في سائر الحقوق.
والراجحُ من هذين القولين، بأن يُقال: إن الأصل ان تكون الكفّارة طعاماً، أو كسوةً حسب ما ورد في ظاهر النص، فإن وجدت مصلحة تقتضي تفضيل القيمة باعتبار حال الشخص المُعطى، أو باعتبار البلد بحيث تكون القيمة أنفعُ للمستحقين فيجوز ذلك.
فيقولُ ابن تيمية رحمهُ الله: إخراجُ القيمة في الزكاة والكفّارة ونحو ذلك. فالمعروف من مذهب مالك والشافعي، أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص ومنهم من جعلها على روايتين.
والأظهر في هذا: الظاهر هو أن إخراج القيمة لغير حاجةٍ ولا مصلحة راجحةً ممنوعٌ منه، ولهذا قدّر النبي عليه الصلاة والسلام الجبرانِ بشاتين أو عشرينَ درهماً ولم يعدل إلى القيمة؛ ولأنه متى جوزَ إخراج القيمة مطلقاً، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئةً وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه.
إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل:
واما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به: ويكون ذلك مثل: أن يبيع ثمرُ بستانهِ أو زرعهِ بدراهمَ، فهنا إخراج عشرة الدراهم يُجزئه، ولا يُكلف أن يشتري ثمراً أو حِنطة إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاةً في خمسٍ من الإبل، وليس عنده من يبيعهُ شاة فإخراج القيمة هنا كافٍ ولا يُكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاةً، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منهُ إعطاء القيمة لكونها أنفعُ، فيُعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفعُ للفقراء. كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقولُ لأهل اليمن: ائتوني بخميصِ أو لبيسٍ أسهل عليكم وخيرُ لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار. وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة، وقيل: في الجزية.