ما هو حكم الجهر بالقنوت؟

اقرأ في هذا المقال


حكم الجهر بالقنوت:

لقد اختلف العلماء في حكم الجهر بالقنوت على ثلاثة أقوال وهي:

– القول الأول: لا يُستحب الجهرُ بالقنوت، وهو مذهب الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية، وقول سعيد بن المسيب والأوزاعي. وأدلة هذا القول هو قول الله تعالى:

الدليل الأول: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” الأعراف:55. ووجه الاستدلال هو أن الله تعالى بإخفاء الدعاء وهو عام في القنوت وغيره. ونُوقش هذا الأمر من وجهين وهما:الأول: أن ذكر الله في ملأ خير من ذكره في النفس. وأجيب: بأن هذا في شأن الذكر لا في الدعاء، وفي غير الصلاة. الثاني: بأنه إذا  كان الأصل في الدعاء والإخفاء، إلا أنه يُستحب الجهر به في بعض المواطن ومنها القنوت. وأجيب: بأنه لا دليل معتبر على استثناء القنوت.

والدليل الثاني: حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً” أخرجه البخاري. ووجه الاستدلال: هو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإخفاءِ الدعاء، وهو عام القنوت وغيره.

الدليل الثالث: وهو حديث سعد بن أبي وقاص: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “خيرُ الذكي الخفي” أخرجه أحمد. ووجه الاستدلال: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل إخفاء الدعاء خيرٌ من إظهاره والقنوت دعاء.

الدليل الرابع: القياس على التشهد والدعاء في آخر الصلاة. ونوقش: بأن القياس في العبادات غير معتبر.

الدليل الخامس: وهو أن الجهر بالدعاء مظنةٌ الرياء. ونُوقش: بأن كل عبادةٍ ظاهرة مظنةٌ لذلك، وأجيب: بأنه كلما أمكن تجنب ذلك فهو أولى.

الدليل السادس: وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “إنما قنتُ بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم” ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسر في قنوتهِ ليسأل الناسُ حوائجهم.

-القول  الثاني: يُستحب الجهر بالقنوت للإمام، وهو قول لبعض الحنفية ووجه عند الشافعية والمذهب عندهم، ورواية عن أحمد. ويُستحبُ الجهر بالقنوت للإمام والمنفرد. وهو قول المالك،ورواية عن أحمد، والصحيح من المذهب، وقول اسحاق. ومن أدلة هذا القول ما يلي:

الدليل الأول: أن الأصل في الدعاء والإخفاء، فلا يُستحب الجهر إلا للإمام ليؤمن من خلفه. ونوقش هذا الأمر من وجهين وهما: الأول: أنه لا دليل على التفريق بين الإمام والمنفرد. والثاني: أنه استدلال بمحل الخلاف فلا اعتبار له.

الدليل الثاني: أنه لم يرد دليل على استحباب جهر المنفرد بالقنوت.

الدليل الثالث: القياس على التشهد في آخر الصلاة. ونوقش من وجهين وهما: الأول: أنه قياس مع الفارق. والثاني: أن القياس في العبادات غير معتبرة.

القول الثالث: وهو ان يُستحب الجهر بالقنوت للإمام المنفرد وهو قول لمالك ورواية عن أحمد، والصحيح من المذهب وقول اسحاق. ومن الأدلة على ذلك هو ما يلي:

الدليل الأول: هو أن عمر وأبي بن كعب: كانا يجهرانِ بالقنوتِ في الوترِ. ووجه الاستدلال: أنه فعل عمر وأبي كعب ولم يعرف لهما مخالف، فكان إجماعاً. ونوقش هذا الدليل من أمرين وهما: الأول أنه لا يصح عنهما. والثاني: أنه محمول على الجواز لا على الاستحباب.

الدليل الثاني: وهو القياس على القنوت في النوازل. ونوقش هذا الدليل من وجهين وهما: الأول: أنه قياس مع الفارق. والثاني: هو أن القياس في العبادات غير معتبر.

الدليل الثالث: وهو القياس على التأمين بعد تلاوة الفاتحة. ونوقش هذا الأمر كما نوقش الدليل الثاني.

الدليل الرابع: وهو القياس على سؤال الرحمة والاستعاذة منالنار عند قراءة القرآن في الصلاة. ونوقش هذا الدليل من وجهين وهما: بأنه قياس على مسألةٍ خلافيةٍ. والثاني: أن القياس في العبادات غير معتبر.

حكم الجهر بالتأمين على القنوت:

لا يخلو التأمينُ على القنوت من المأموم من حالتين وهما: أن يسمع المأموم قُنوت الإمام. والأخرى أن لا يسمع المأموم قنوت الإمام. وسنوضح عن كل واحدةٍ فيما يلي:

الحالة الأولى: وهي أن يسمع المأموم قنوت الإمام.

لقد اتفق القائلون باستحباب الجهر بالقنوت على مشروعية الإسرار بالتأمين. واختلفوا في حكم تأمين المأموم جهراً على القنوت، على قولين وهما كما يلي:

القول الأول: وهو يُستحب تأمين المأمو جهراً على القنوت. وقال به بعضُ الحنفية، وأحمد في رواية وهي الصحيح من المذهب. ومن الأدلة على هذا القول هو القياس على التأمين في قنوت النوازل. وهناك دليلُ آخر وهو القياس على التأمين بعد تلاوة الفاتحة. والدليل الثالث هو أن التأمين دعاء، فيُستحب الجهر به كما يُستحب في حق الإمام.

القول الثاني: يُستحب الجهر بالتأمين عند الدعاء والقنوت عند الثناء سراً. وهو المذهب عند الشافعية، ورواية عن أحمد.  ومن الأدلة على هذا القول هي ما يلي:

الدليل الأول: وهو أن أبا حليمة مُعاذ القارئ: جهر بالقنوت حتى كانوا مما يسمعونه، يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون آمين: فيقول ما أسرع ما تقولون: آمين، دعوني حتى أدعو. ووجه الاستدلال هو: أن معاذ القارئ نهى من خلفه عن التأمين وقت الثناء، ولم يُعرف له مخالف. ونوقش بأنه ضعيف.

أما الدليل الثاني: هو أن التأمين طلب فلا يكون إلا عند الدعاء، ونوقش من وجهين: وهما : الأول: بأن الدعاء والثناء قنوتٌ فيُستحب للمأموم كمايُستحب للإمام. الثاني: أن في القنوت عند الثناء مخالفة للإمام في الصلاة.

والراجحُ من هذا القول والله أعلم على القولِ باستحباب الجهر، القول الأول؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، وورود المناقشة على أدلة القول الآخر.

الحالة الثانية: وهي أن لا يسمع المأموم قنوت الإمام:

لقد اختلف القائلون باستحباب الجهر بالقنوت في حكم قنوت المأموم إذا لم يسمع قنوت الإمام على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يُستحب أن يقنت المأموم وحده، وهو المذهب عند الشافعية، وروايةً عن أحمد وهي المذهب. ومن أدلة أصحاب هذا القول هي القياس على ما لا يُجهر به من الدعاء في الصلاة. والدليل الثاني هو القياس على ما لا يُجهر به من التلاوة في الصلاة. والدليل الثالث: هو القياس المنفرد. أما الدليل الرابع: وهو تأمين من لم يسمع القنوت لا فائدة منه.

القول الثاني: وهو أنهُ يُستحب تأمين المأموم، وهو وجه عند الشافعية. ومن أدلة هذا القول هو ما يلي: الأول: أن التأمين دعاء فلا حاجة إلى سماع الإمام، ونوقش: بأن التأمين وإن التأمين وإن كان دعاء إلا أنه دعاء معطوف على دعاء الإمام. والدليل الثاني هو انفراد المأموم بالقنوت عدول من المتابعة للإمام. ونوقش ذلك بأن العدول عن المتابعة للإمام لا يكون إلا عند إمكان الاقتداء.

القول الثالث: وهو أن يخيّر المأموم بين القنوت والتأمين. وهو رواية عن الأحمد. وأما أدلة القول الثالث فقد استدلوا بأن لم يُسمع القنوت مأموم من وجه ومنفرد من وجه، فله الخيار في التأمين أو القنوت. ونوقش هذا الدليل بأن تأمينُ من لم يسمع القنوت لا معنى له.

والراجح في هذا القول والله أعلم هو القولُ باستحباب الجهر، وهو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلتهِ وورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.


شارك المقالة: