حكم جحد العارية:
اختلف العلماء فيما مضى على أنّ من يستعير المتاع الذي يبلغ النصاب ثم يجحده، فهل أنه تقطع يده أم لا لقد جاء هذا الأمر على قولين.
القول الأول: قالوا أنه لا قطع عليه، واتفقوا على هذا القول الحنفية والمالكية وقال الشافعي وذلك رواية عن الإمام أحمد قال ابن عبد البر: إن الجاحد أنه لا قطع عليه وهو قول أهل الحجاز وأهل الشام ومصر.
القول الثاني: قالوا بأنه يُقطع جاحد العارية، وهذا مذهب الحنابلة ومنقول عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
والدليل على ذلك، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة مخزوميةٌ تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف قطعوه، ولو كانت فاطمةُ لقطعت يدها”صحيح مسلم.
رأي الفقه الإسلامي من جحد العارية:
إن الفقه الإسلامي يعزر من يخون الأمانة؛ لأن الجاني قد استلم ما اؤتمن عليه بعقد من عقود الأمانة، فيكون هناك قصور في الحرز. وجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية قالوا أنه لا يقطع من يخون الأمانة، كأن يجحد العارية أو الوديعة؛ لأن شرط الحرز غير متوافر، ولا تواجد للسرقة، الذي هو أخذ المال خفيةً. وأما خلافاً عن أحمد بن حنبل، فإنه يقول بقطع العارية.
وعلى قطع جاحد العارية فيما ذلك قالوا الضاهرية فهم يسوون بين المستعير الجاحد والسارق في وجوب القطع. ويقول الشافعية في خبر المخزومية التي قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كانت تستعير المتاع وتجحده إن القطع لم يكن لجحد العارية بل للسرقة، وإنما ذكر الخبر على هذا الأساس؛ لأن هذه المخزومية عرفت بجحد العارية كما قال أكثر الرواة، وقد ورد ذلك في الصحيحين وهو أن قريشاً اهتمت بأمرها لما سرقت.
وقد قيل في زاد المعاد:إن إدخال النبي صلى الله عليه وسلم، جاحد العارية في اسم السارق؛ وذلك لأنه أدخل جميع المنكرات والمحرمات مثل الخمر، ويكون ذلك بتعريف الأمة الإسلامية بمراد كلام الله تعالى.
وقال ابن القيم: إن العارية من مصالح بني آدم التي لا بد لهم منها، والتي لا غنى لهم عنها، فهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها، سواء كان مجاناً أو بأجرةً، ولا يمكن للغير في كل وقت أن يشهد على العارية، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعاً وعادةً وعرفاً، ولا فرق في المعنى بين من أخذ متاع غيره بالسرقة، وبين من أخذ بالعارية وجحدها فكان هذا بخلاف جاحدُ الوديعة، فإن صاحب المتاع فرط حيث ائتمنه.