مدى تحمل العاقلة أرش الجراحة:
العاقلة: هي في أصل اللغة مأخوذةً من العقل، والعقل يُطلق ويُراد به الديّة، حيث كانت عادة العرب في الجاهلية أن يُكلّف القاتل سوق إبل الديّة إلى فناء المقتول، فيعقِلها بثني يد البعير إلى ركبتهِ فيشدهُ بحبل. وقيل العقل هو المنع، ومنه عقل الإنسان يمنعهُ من الانحراف، وسميت الديّة عقلاً؛ لأنها تمنع سفك الدماء.
والعاقلة: هي العصبة وهم القرابة من قِبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطأ.
أما العاقلة في اصطلاح الفقهاء: من خلال النظر في تعريف الفقهاء للعاقلة، قد تبين لنا أنهم اختلفوا في تحديد معنى العاقلة على مذهبين:
المذهب الأول: إن تحديد معنى العاقلة عندهم مبناها التناصر فيما بينهم، فلم يقتصروها على النسب، وجعلوا أهل الديوان عاقلةٍ وهذا مذهب الحنفية والمعتمد عند المالكية.
أما الحنفية فقالوا: عاقلة الرجل هم أهل ديوانه إذا كانوا يتناصرون فيما بينهم، أي يقوم بعضهم بأمر بعض، ويرتزقون من الديوان، مثل ديوان الجند فإن كان القاتل من الجند ويَرتزقُ من الديوان فعقلهُ على أهل الديوان، وإن لم يكن من أهل الديوان فعاقلتهُ قبيلتهُ وأقاربه هو أهل المحلة أو القرية أو السوق أو أهل العشيرة إذا كانوا يتناصرون فيما بينهم، ويقدم أهل الديوان ثم أهل العشيرة ثم أهل السوق أو المحلة أو البلدة، وإذا لم يكن تناصر فيما بينهم فإن عاقلة الرجل عصبته.
المذهب الثاني: إن العاقلة هي عصبة الرجل، يُقدم فيها الأقربُ فالأقرب، باستثناء أصوله وفروعه؛ لأنهم أبعاضه، فكما لا يتحمل الجاني لا يتحمل أبعاضُه، ولا يعتبرون أهل الديوان من العاقلة وإن كان الجاني من أهل الديوان. وهذا كان مذهب الشافعية والحنابلة وبعض المالكية. وزاد الشافعية بأن اعتبروا ذوي الأرحام من العاقلة عند عدم العصبة من النسب إذا كانوا يرثون، فَكما يرثون يتحملون الديّة.
وفي رواية عند الحنابلة أنهم أدخلوا الأصول والفروع في العاقلة، وقال الإمام مالك: العقل على أهل القبائل أهل ديوان كانوا أو غير أهل ديوان. فمن خلال بيان مذاهب العلماء والأُسس التي اعتمدوا عليها في بيان العاقلة يظهرُ لي أن الرأي الأول هو الأقربُ للصواب، وهو أنسب للعصر الحالي، وذلك أن العصبة لم تُعد تتحمل أداء الديّة نتيجة ضعف التناصر بين أفراد العشيرة.