رأي أنس بن مالك رضي الله عنه في قصر الصلاة:
لقد وقفنا على روايتين مسندتين عن أنس رضي الله عنه في قصر الصلاة أثناء إقامتهِ وهاتانِ الروايتانِ مختلفتانِ، بل هما متفقانِ، على أنهُ كان يقصر أثناء إقامته بفارس، وسنعرضهما والحكم عليهما.
الأولى: لقد روى الطبيري، فقال: حدثنا عمران بن موسى، حدثنا عبد الوارث، حدثنا يونس عن الحسن، أن أنس بن مالك كان بنيسابور على جبايتها، فكان يُصلي ركعتين ثم يُسلم، ثم يُصلي ركعتين، ولا يجمع، وكان الحسن معهُ شتوتين. أما الحكم عليه: عمران بن موسى القزاز، وعبد الوارث بن سعيد العنبري، ويونس بن عبيد بن دينار العبدي، والحسن البصري، وهم رواة هذا الإسنادِ، وهم ثقات إلا عمران فهو صدوق، كما في التقريب.
الثانية: روى الطبري فقال: حدثنا ابن المثنى، حدثنا سالم بن نوح، عن عمر ابن عامر، عن قتادة، أن أنساً أقام بفارس سنتين يقصرُ الصلاة. والحكم عليه: فيه عمر بن عامر السلمي له مناكير عن قُتادة، كذا قال أحمد كما في التهذيب، إلا أن رواية الحسن السابقة تشهدُ لروايتهِ فهي حسنةً.
وإيضاحُ سببُ ذلك هو أنهُ لم يرد فيهما بيان لنوع إقامتهِ كما ترى، إلا أن الرواية الأولى تدلُ على أنهُ كان يُصلي أربعاً، لكنهُ يفصل بينهما بسلامٍ، فلعلّ صلاة الركعتين الأخيرتين من باب الاحتياط؛ لأن الأمر مشكل عليه، فهو يقصرُ الصلاة لكون إقامتهِ ليست باختيارهِ، فهو إذاً مسافر؛ لأنه ولي ولايةٍ لم يرضها، ثم صلّى ركعتين أخريين إكمالاً للصلاة من باب الاحتياط قياساً على إكمال نقص الصلاةِ بالنافلة؛ لأن حالهُ أشبهت حال المقيمين، فإن كان الأمر كذلك، فهو يدلُ على أن هذا القصر فيه إشكالٌ عنده، فلا يصحُ الاحتجاج به لأحدٍ إلا لمن فعل كفعلهِ.
ولا يصحُ أن تحمل الركعتانِ بعد السلام على أنها نافلةٌ؛ لأن الراوي صرح بأنهُ لا يُريدُ بهذا جمع الصلاة، فهذا يدلُ على أنهُ لا يُرد بها النافلةُ وإلا لقال الراوي، ثم يتنفلُ بعدهما.
أما إقامتهُ بفارسٍ فيحتملُ أنه أقام من أجل الغزو ومحاضرة العدو، فهذهِ الإقامةُ كإقامتة في الشام سنتين لمحاصرة العدو كما فسرها بهذا ابنُ القيم رحمه الله حينما قال: وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصرُ الصلاة، وإقامة الصحابة برام هرمز سبعة أشهلرٍ يقصرون، ومن المعلوم أن مثل هذا الحصار والجهاد يعلمُ أنهُ لا ينقضي في أربعة أيام.