ما هو مقدار الحبس محدد المدة؟

اقرأ في هذا المقال


مقدار الحبس المحدد المدة:

جاءت في بعض أقوال الفقهاء ضوابط وقواعد في هذا السبيل منها:

ما جاء في حاشية ابن عابدين: أن الحبس يُصلح عقوبة بانفراد، فلو رأى ألا يضربه ويحبسه أياماً فإن له ذلك. إن ما جاء في شرح الكنز للزيلعي في صدد الكلام عن حبس المدين: أن ما جاء من تقدير مدة الحبس بشهرين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر اتفاقي، وليس يتحتم تقديراً، وأن ليس للحبس مدة مقدرة، ويترك الأمر فيه للقاضي، وأن ذلك يختلف باختلاف الشخص والزمان والمكان والمال.
وجاء به أيضاً أن التعزير ليس فيه شيءٍ مقدر، وأنه مفوض إلى رأى الإمام، وهو يختلف باختلاف الجريمة والمجرم. ولما كان الحبس يعتبر عقوبة من عقوبات التعزي؛ر فإنه يكون تبعاً لذلك غير مقدر، ويختلف باختلاف الجريمة والمجرم، على ما يراه الحاكم زاجراً للجاني.
وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: إن الحبس تعزيراً يختلف باختلاف المجرم وباختلافِ الجريمة، فمن الجانين من يحبس يوماً، ومنهم من يحبس أكثر إلى غايةٍ غير مقدرة، وقد نقل عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي: أن مدة الحبس تقدر بشهر للاستبراء والكشف، كما في حبس المدين، أو بستة أشهر للتأديب والتقويم.
أما في نهاية المحتاج: إن مدة الحبس للأحرار لا تصل إلى سنة. وجاء في كشاف القناع أن من وجب عليه التعزير يُعزر بما يردعه؛ لأن القصد من التعزير هو الردع والزجر. وروى عن ابن الماجشون: أن الحبس في القليل من المال نصف شهر، وفي الكثير أربعة أشهر، وفي المتوسط شهران.

الحدّ الأعلى في الحبس محدد المدة:

يؤخذ من جميع ما تقدم أن هناك من يقول من الشافعية بأن لا يصل الحد الأقصى للحبس سنة. وقد قاسو حالة الحبس على النفي والتغريب، فعندهم أن التغريب تعزيراً لا يصل إلى سنة؛ لأن التغريب في حد الزنا سنة، فينبغي ألا يصل الحبس إلى سنة، حتى لا يُعاقب بعقوبة الحد في غير حد، وذلك لحديث: “من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين”.
ولكن هذا الرأي لم يجمع عليه الشافعية أنفسهم، فقد تقدم من الأحكام السلطانية أن من الجانين من يُحبس يوماً، ومنهم من يُحبس أكثر، إلى غاية غير مقدرة، وأن ذلك يختلف باختلاف المجرم والجريمة. كما قال الرملي في كتابه نهاية المحتاج: إنه لم ير القولِ بعدم بلوغ التعزير بالحبس إلى سنة منقولاً. وقد قيل عن حديث”من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين” أي إنه مرسل.
أما المنقول عن عبد الله الزبيري من تقدير لمدة الحبس بشهرٍ أو بستة أشهر كما مر، وكذلك ما ورد في شرح الكنز للزيلعي من تقديرٍ لمدةِ الحبس بشهرينِ أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، وكذلك ما روى عن ابن الماجشون المالكي من تقدير له بنصف شهرٍ أو شهرين أو أربعة، تبعاً لقدر المال المحبوس فيه، فكل ذلك ليس بتقديرٍ حتمي؛ لأنه حصل في ظروفٍ معينة، لا يصح معها أن يؤخذ كقاعدة مجردة، ولا أن ينسحب على وقائع أخرى حتماً.
فنستنتجُ ممّا ذكرناه أن الحبس الذي تُقدر مدتهُ، لم يرد في حده الأقصى تقديرٌ مُمكن أن يُعتبر قاعدة، بل إن الأمر فيه مفوض إلى رأي الحاكم، وهو يختلف باختلاف ظروفِ كل جريمة، وباختلافِ ظروف كل مجرم، باختلاف الأزمنة والأمكنة، والشرط فيه أن يكون كافياً لزجر الجاني، إذ التعزير مشروع للتأديب والزجر، فيجب إذا تقرر الحبس تعزيراً، أن يكون وافياً بالغرض من شريعة العقاب.

الحد الأدنى للحبس محدد المدة:

أما حده الأدنى فقد جاء في المغني: أن أقل التعزير ليس مقدراً؛ لأنه لو تقدر لكان حداً، فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام فيما يراه، وما يقتضيه حال الشخص نفسه. والرأي الأصح أن أقل الحبس في التعزير يوم واحد؛ لأن اليوم أقل مدة للحبس تكفي للزجر، وبهذا التحديد قال الماوردي في الأحكام السلطانية.
أما عن عبارة المغني، فإن تحديد حد أدنى للتعزير لا يجعله حداً؛ لأن الحكم على مقتضى الحد الأدنى ليس متعيناً، وتجوز الزيادة تبعاً للأحوال، ويجوز الحكم بأي مدة في نطاق الحدين، وليس هذا شأن الحدود المقدرة مقدماً من الشارع. وأما ما استند إليه البعض من أن النبي عليه الصلاة والسلام قدر أكثر التعزير، ولم يُقدر أقله، فإن حديث: “لا يُجلد فوق عشرة أسواطٍ إلا في حدّ” والذي احتجوا به، ليس وارداً في الحبس تعزيراً.


شارك المقالة: