ما هو مقدار صلاة النبي عليه الصلاة والسلام؟

اقرأ في هذا المقال


مقدار صلاة النبي عليه الصلاة والسلام:

إنّ أمر مقدار صلاة النبي عليه الصلاة والسلام من أجلّ المسائلِ وأهمها، وحاجة النّاس إلى معرفتها أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد ضيّعها الناس إلى معرفتها أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد ضيعها الناس من عهد أنس بن مالك رضي الله عنه.
ففي صحيح البخاري من حديث الزهري قال: “دخلتُ على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلتُ له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصّلاة وهذه الصّلاة قد ضُيّعت”.
وقال موسى بن إسماعيل بن : حدثنا مهديٌ عن غيلان عن أنسٍ قال: “ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام قيل: فالصلاة؟ قال: أليس قد صنعتم ما صنعتم فيها” أخرجه البخاري. وأنسٌ رضي الله عنه تأخر حتى شاهدَ من إضاعة أركان الصّلاة، وأوقاتها وتسبيحها في الركوع والسجود، وإتمام تكبيرات الانتقال فيها ما أنكرهُ، وأخبر أنّ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بخلافه، كما ستقف عليه مفصّلاً إن شاء الله.
ففي الصحيحين: “من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوجز الصّلاة ويكملها” رواه البخاري. وفي الصحيحين عنه أيضاً قال: “ما صلّيتُ وراءإمام قطٌ أخفُ صلاة ولا أتم من صلاة النبي عليه الصلاة والسلام” زاد البخاري. وإن كان ليسمع بكاء الصّبي فيخفف مخافة أن تُفتن أمّهُ” فوصف صلاتهِ عليه الصلاة والسلام بالإيجاز والتمام.
والإيجاز هو الذي كان يفعلهُ، لا الإيجاز الذي يظنّهُ من لم يقف على مقدار صلاتهِ؛ فإنّ الإيجاز أمرٌ نسبيّ إضافيّ، راجعٌ إلى السّنة لا إلى شهوة الإمام ومن خلفه. فلمّا كان يقرأ في صلاة الفجر بالستين إلى المائةِ كان هذا إيجازاً بالنسبةِ إلى ستمائة آيةٍ إلى ألفٍ، ولمّا قرأ في المغرب بالأعراف كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى البقرة. ويدلُ على هذا أنّ أنساً نفسهُ قال في الحديث الذي رواه أبو داود من حديث عبد الله بن إبراهيم بن كيسان يقول: سمعتُ أنس بن مالك يقول: “ما صليتُ وراء أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاةً برسول الله عليه الصلاة والسلام من هذا الفتى” يعني عمر بن عبد العزيز، فحزرنا في ركوعهِ عشر تسبيحاتٍ، وفي سجودهِ عشرُ تسبيحاتٍ.
وأنسٌ أيضاً هو القائل في الحديث المتفق عليه: “إنّي لا آلونُ أنّ أصلي بكم كما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يُصلّي بِنّا”. وقال ثابت: كان أنسٌ يصنعُ شيئاً لا أراكم تصنعونهُ، كان إذا رفع رأسهُ من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسهُ من السّجدةِ مكث حتى يقول القائل قد نسي.
وقال أنسٌ أيضاً: “ما صلّيتُ وراء إمامٍ قطّ أخفّ صلاةً ولا أتمّ من صلاة النبي عليه الصلاة والسلام” وهذا حديثهُ لا يُكذب بعضهُ بعضاً.
وممّا يُبين ما رواه أبو داود في سننه من حديث حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك قال: ما صلّيتُ خلفَ رجلٍ أوجزُ صلاةً من رسول الله عليه الصلاة والسلام في تمام، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا قال: سَمع الله لمن حمده قام حتى نقول: قد أوهم ثم يكبّر ثم يسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم”.
لقد جمع أنسٌ رضي الله عنه في الحديث الصحيح بين الإخبار بإيجاز النبي عليه الصلاة والسلام وإتمامها، وبيّن فيه أنّ من إتمامها الذي أخبر به إطالة الاعتدالين حتى يظنّ الظّانّ أنّهُ قد أوهم أو نسي من شدّة الطّول، فجمع بين الأمرين في الحديث، وهو القائلُ إنّهُ ما رأى أوجز من صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أتمّ. فيُشبه أن يكون الإيجاز عاد إلى القيام والإتمامُ إلى الركوع والسجود والاعتدالين بينهما؛ لأن القيامُ لا يكادُ يُفعل إلا تامّاً، فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام، بخلاف الركوع والسجود والاعتدالين.
إنّ سرّ ذلك الأمر هو أنه بإيجاز القيام وإطالة الركوع والسجود والاعتدالين تصير الصّلاة تامّة؛ لاعتدالها وتقاربها، فيّيدُق قوله: “ما رأيتُ أوجز ولا أتمّ من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم” وهذا هو الذي كان يعتمده صلوات الله وسلامة عليه في صلاتهِ؛ فإنّه كان يعدلها، حيث يعتدل قيامها، وروكوعها، وسجودها واعتدالها.
ففي الصحيحين: عن البراء بن عازب قال: “رَمقُتُ الصلاة مع محمد عليه والصلاة والسلام فةجدتُ قيامهُ، فركعتهُ، فاعتدالهُ بعد ركوعه فسجدته، فجلستهُ بين السّجدتين، فسجدته، فجلستهُ مابين التّسليم والانصراف قريباً من السواء” وفي لفظٍ لهما: “كانت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قيامه، وروعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السّواء” رواه البخاري.
ولا يُناقض هذا ما رواه البخاري في هذا الحديث: “كان ركوع النبي عليه الصلاة وسجوده وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه ما خلا القيام والقعود قريباً من السّواء” فإنّ البراء هو القائل هذا وهذا، فإنّه في السياق الأول أدخل في ذلك قيام القراءة، وجلوس التشهد. وليس مرادهُ أنهما بقدر ركوعهِ وسجودهِ وإلا ناقض السّياق الثاني؛ وإنّما المراد أنّ طولهما كان مناسباً لطول الركوع والسجود والاعتدالين، بحيث لا يظهر التفاوت الشديد في طول هذا وقصر هذا كما يفعلهُ كثيرٌ ممن لا عِلم عنده بالسّنة يُطيلُ القيام جدّاً ويُخفف الركوع والسجود، وكثيراً ما يفعلون هذا في التراويح، وهذا هو الذي أنكره أنس بقولهِ: ما صليتُ وراء إمامٍ قطّ أخفّ صلاة ولا أتمّ من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنّ كثيراً من الأمراء في زمانهِ كان يُطيل القيام جدّاً فيثقلُ على المأمومين، ويُخفف الركوع والسجود والاعتدالين، فلا يُكمل الصّلاة.

وصف أنس صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام:

إن الأمرانِ اللذان وصف بهما أنسٌ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هما اللذان كان الأمراء يخالفونهما، وصار ذلك، أعني تقصير الاعتدالين شعاراً حتى استحبهُ بعض الفقهاء، وكره إطالتهما، ولهذا قال ثابتٌ: وكان أنسٌ يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونهُ، كان إذا رفع رأسهُ من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل، قد نسي” فهذا الذي فعلهُ أنسٌ هو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وإن كرههُ من كَرِههُ فسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أولى وأحقّ بالأتباع.
وقول البراء في السّياق الآخر: “ما خلا القيام والقعود” بيان أنّ ركن القراءة والتشهّد أطول من غيرهما. وقد ظنّ طائفةٌ أنّ مراده بذلك قيام الاعتدال من الركوع وقعود الفصل بين السجدتين، وجعلوا الاستثناء عائداً إلى تقصيرهما، وبنوا على ذلك أنّ السّنة تقصيرهما، وأبطل من غلا منهم الصلاة بتطوليهما، وهذا غلطٌ؛ فإنّ لفظ الحديث وسياقهُ يُبطلُ ذلك، وفعلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديُة الثابت عنه يُبطل ظنّ هؤلاء؛ فإنّ لفظ البراء: “كان ركوعه وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء” فكيف يقول: وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا رفع رأسه من الركوع؟ هذا باطلٌ قطعاً.


شارك المقالة: