ما هو موقف ثمود من معجزة النبي صالح عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


موقف ثمود من معجزة النبي صالح عليه السلام:

لقد بعث الله صالحاً عليه السلام بمعجزة الناقة لقومه، وذلك تصديقاً له في دعواه، حيثُ أنهُ دعاهم للإيمان، فطلبوا منه دليلاً وبينةً على صدق ما يَدعوا إليه، فأيدهُ الله بمعجزةٍ حسّيةٍ لا مثيل لها، وهي ناقةٌ عظيمة نُسبت إلى الله عزّ وجل، فلمّا أتى صالح بالناقةِ حذرهم من أن يَمسوها بسوءٍ فيأخذهم عذابٌ عظيم، لكن القوم تجرأوا على قتلِ ناقةِ الله التي هي الحجة والدليل على صدق صالح عليه السلام، فكان موقف قوم ثمود من معجزة صالح عليه السلام ما بين مصدقٍ وما بين جاحدٍ لهذه المعجزات، رغم أنهم عاينوها جميعهم بأعينهم، ولكن من تبعَ هواه واتبع خطوات الشيطان يحدث معه هذا في الدنيا، رغم أنه يعلم الحق ولا يتبعه، ويعلم الباطل ويتبعه كما في هذا الزمان، وهذا بأن كثيراً من الناس يتبعون أمر المسئول أو الأمير ويقدمونه على قول الله وقول الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا أيضاً ما حدث مع الملأ من قوم ثمود خوفاً على عروشهم ومُلكهم وسيادتهم على القوم. فقال تعالى: “قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍوَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍفَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ” الشعراء: 155-157.
عند قراءة الآيات السابقة تجد أن صالحاً عليه السلام جاءهم بمعجزة خارقة للعادة، وحذرهم وخوفهم ورُهبهم من أنّ يَمسوها بسوء، حتى لا يأخذهم الله بالعذاب، ولكن قوم ثمود فعلوا بخلاف، ذلك فكذبوا صالحاً وتأمروا على قتل الناقة، وهي المعجزة والدليل على صدق صالح عليه السلام؛ لأنهم طلبوا ذلك بأنفسهم ولكن سولت لهم أنفسهم أمر قتل الناقة وعَقرها، فقتلوها وعقَروها، وهذا هو موقف ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام من مُعجزتهِ.
ذكر محمد الأمين الشافعي: “فعقروها” أي قتلوا الناقة بطعنة من السهم وضربة بالسيف. وذكر أبو السعود: “فعقروها” أي قتلوها، وأسند العقر إلى كلهم لما أن عاقرها عقرها برأيهم، ولذلك عمهم العذاب: “فأصبَحوا نادمين” أي خائفين من وقع العذاب بهم، وأنه لا توبة في ذلك الوقت، ولذلك لم ينفعهم الندم وإن كان بطريق التوبة.
وفي هذا القول حديثٌ ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّ الله يقبلُ توبة العبد في وقتٍ تُقبل فيه التوبة ولا يقبلها عند الغرغرة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: “إنّ الله يقبلُ تَوبةَ العبدِ ما لم يُغرغر”. سنن الترمذي. وقد ذكر محمد فؤاد عبد الباقي في شرح صحيح مسلم في الحاشية فقال: قد أجمع العلماء على قبول التوبة ما لم يُغرغر، وللتوبة ثلاثة أركان وهي: أن يُقلع عن المعصية والندم على فعلها والعزم على أن لا يعود إليها” صحيح مسلم. فقوم ثمود قد ندموا على قتل الناقة حينما بدأت علامات العذاب تظهر عليهم، فلم ينفعهم ندمهم ولم تقبل توبةً منهم.
وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام عقرُ الناقة، وقال بأن من عقر الناقة هو من أشقى الناس عن عبد الله بن زمعة، قال: سمعتُ النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر الذي عقر الناقة، قال: “انتدب لها رجل ذو عزّ ومنعة في قومه كأبي زمعة”. صحيح البخاري.
عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “أشقى الناس ثلاثة: عاقر ناقةِ ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه، ما سفك على الأرض من دمٍ إلّا لحقه منه؛ لأنه أول من سن القتل”. مسند عبد الله بن عمرو بن العاص.
وبعد السرد لأقوال المفسرين وأحاديث النبي، يُلاحظ الباحث أن نبي الله صالحاً عليه السلام قد جاء يدعو قومه ببينة حسيةٍ رآها قومه رأي العين، وكذلك بعض الأقوال تقول إنهم هم من طلبوا معجزة الناقة من صالح عليه السلام، ولكن نبي الله صالح دعا ربه فاستجاب الله له، فأيدهُ بما طلب منه قومه، ولكن كذبوه وعقروا الناقة بعد أن حذرهم من أن يمَسوها بسوء، أو يتعرضوا لها في يوم شربها، ولكن قوم ثمود من شدة طغيانهم عقروا الناقة وقتلوها تكذيباً. منهم لنبي الله صالح.
لقد أوقع الله تعالى بهم العذاب الشديد بسبب قتلهم الناقة وتكذيبهم لصالح عليهم السلام، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إنّ القوم جميعاً وافقوا على قتل الناقة، فكان العذاب للجميع إلا صالحاً ومن آمن معه. قال الشهيد قطب: يُذكرُ أن ثمود بسبب طغيانهم كذبت نبيها، فكان الطغيان وحده هو سبب التكذيب، وتمثل هذا الطغيان في إنبعاثِ أشقاها، وهو الذي عقر الناقة، وهو أشدها شقاء وأكثرها تعاسة بما ارتكب من الإثم، وقد حذرهم رسول الله قبل أن يُقدموا على تلك الفعلة، فقال لهم: احذروا أن تمسوا ناقة الله أو أن تمسوا الماء الذي جعل لها يوماً ولهم يوماً كما اشترط عليهم عندما طلبوا منه آيةً، فجعلَ الله هذه الناقة آيةً لا بدّ أنه كان لها شأنٌ خاص.


شارك المقالة: