الردة:
تعتبر الردة عن الإسلام أكبر الكبائر وأعظم الجرائم التي يرتكبها المسلم في حياته، كما أن الشرك الذي عليه المشركون هو كذلك وكلاهما كفر بالله تعالى، وإذا مات عليه الشخص فهو من أهل النار خالدا ًمخلداً فيها أبداً لا يغفر الله له وتحرّم عليه الجنة ولا يدخلها أبداً حتى يلج الجمل في سم الخياط.
آثار الردة:
إذا وقع العبد في موجب من موجبات الردة، فقد يترتبُ على الحكم بردته بسبب هذا الأمر آثارٌ عملية، ألا وهي:
- حبوط عمله: فقال تعالى: “وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” المائدة: 5. قال الطبري: حبطت أعمالهم، أي بمعنى بطلت وذهبت. وإبطالها يعني: ذهابُ ثوابها، وبُطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة.
وقال أيضاً: ومن يرتد، أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر فأولئك حبطت أي “بطلت وفسدت”، ومنه الحبط وهو فسادٌ يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها للكلأ فتنتفخُ أجوافها، أو ربما تُميتها من ذلك، فدليل هذه الآية تهديدٌ للمسلمين من أجل ثباتهم على دينهم.
أي أنه خسر جميع ثوابِ أعماله، التي قام بها من لحظة وجوده على هذه الحياة إلى لحظة ارتداده عن دينه. وهذا محل اتفاقٍ بين العلماء لو مات على الردّة، ولكن إن تاب، فهل يرجع له ثواب عمله أو لا؟ وهذا فيه خلاف بين العلماء، لاختلافهم في زمن بطلان العمل هل بالردّة أم بالموت عليها؟
وقال القرطبي رحمه الله: قال الشافعي: إن من ارتد عن دينه، ثم رجع إلى الإسلام فلا يُحبط عمله، ولا حجّه الذي فرغ منه، بل إن مات على الردّة فحينئذٍ تحبط أعماله. وقال مالك: أنه تحبط أعماله بنفس الردّة، ويظهر الخلاف في المسلم إنه إذا حجّ ثم ارتد ثم أسلم، فقال: مالك يلزمهُ الحج؛ لأن الأول قد حبط بالردة. وقال الشافعي: لا إعادة عليه، لأن عمله باقِ. - فسخُ عقدِ زواجه: إنه إذا حدثت الردّة من واحد من الزوجين، فقد تم فسخ العقد فيما بينهم، وهذا باتفاق جميع الأهل، سواء حصلت الردّة قبل الدخول أو بعده، فإذا رجع المرتدُ منهما إلى الإسلامِ قبل انتهاء فترة عدة الزوجة، فقد تعود الحياة الزوجية بينهما على أحسن حال، وكان هذا رأي من يرى أن الفرقة تحصل بانتهاء العدة، ولا ترجع الحياة الزوجية على رأي من يرى أن الفرقة تحصل بوقوع الردة، وهذا الخلاف في الردّة يكون بعد الدخول. أما قبل الدخول فقد فتقع الفرقة بوقوع الردّة بالاتفاق، فإن عاد بعد العدة، فلا أثر لعودته؛ لأن الحياة الزوجية تكون قد انتهت بالاتفاق.
- قطع التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين: فالمرتدّ عندما يصبح كافرًا والعياذ بالله، فلا يرث الكافرُ المسلمَ بالإجماع، ولا المسلمُ الكافرَ عند الأئمة الأربعة، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:”لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ” أخرجه البخاري من كتاب الفرائض.
قال ابن رشد:هناك من اختلف في ميراثِ المسلمِ الكافر، وميراث المسلم الذي ارتد عن دينه، فذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إلى أنه لا ورثة للمسلمُ الكافرَ بهذا الأثر الثابت. وذهب معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة وسعيد بن المسيب والبعض من التابعين وجماعة إلى أن المسلم يجوز له أن يرث الكافر، وشبهوا ذلك بنسائهم، فقالوا: كما يجوز لنا أن نتزوج نساءهم، ولا يجوز لنا أن نزوجهم من نساءنا كذلك الإرث، وروا في ذلك حديثًا مسندًا، قال أبو عمر: وليس بالقوي عند الجمهور. - مصادرة ماله: لقد اتفق العلماء على كيفية زوال مال المرتد عن ملكيته، وقد اختلفوا أيضاً في الوقت الذي يزول فيه، وماذا سيحدث للمال الذي سيتركه وراءه.
- خطورة التكفير: عندما يُحكَم أي شخص على شخصٍ آخر بالردّ فهذا يسمّى تكفيرٌ له، وإخراج عن الملّة. والتكفير هو عبارة عن أمرٍ خطير وعظيم، ولا يجوز أن يتصدى له إلا أهلُ العلم الراسخون، ولا يصدر على معين إلا بقضاء القاضي وذلك لما يترتب عليه من الآثار الخطيرة.
ولقد نبهَّ القرآن الكريم والسنة النبوية من خطر هذا التكفير، وحَمل عبئه على المسلمين، فقد ذكر القرآن في تعقيبه على عمل أحد الصحابة عندما قتل رجلاً في المعركة بعد أن نطق بالشهادة، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” النساء:94