آثار الردّة على الفرد والمجتمع:
إن الردة عن الإسلام هي أكبر الكبائر وأعظم الجرائم التي يرتكبها المسلم في حياته، كما أن الشرك الذي يكون عليه المشركون، فكلٌ منهما كفر بالله تعالى، فإذا مات عليه الشخص فهو من أهل النار مخلداً فيها أبدا ولا يغفر الله له، أي حرم عليه الجنة ولا يدخلها أبداً حتى يلجُ الجمل في سم الخياط، وهذا أثرٌ واضح من آثار الردة على الفرد وإضافة إلى آثار كبيرة أخرى فلم تقتصر هذه الآثار على الفرد وحده، بل شملت المجتمع الذي يعيش فيه بأكمله، فنجد في ذلك آثاراً كثيرة سيئة ومن هذه الآثار السيئة في إباحة الكفر في مجتمع المسلم ما يلي:
- إسقاط تعظيم الله تعالى وتعظيم رُسله ودينه من النفوس: لم يبقَ لهذه الأشياء بالردة وإباحة الكفر أي إجلالٍ، أو هيبة، أو تعظيم أو تقديس، فقد أصبح انتهاكها أمراً هينا غير ذي بال، في حين أن إجلال هذه الأمور وتعظيمها وتقديسها أصبحت من فرائض الدين ومن لوازم الإيمان والتقوى قال تعالى: “ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه” الحج: 30، وقال:” ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” الحج: 32.
وقد صدف البعض من الناس أنه كثيراً من البلدان العربية والإسلامية يوجد فيها من يسب الذات الإلهية سباً على سبيل المزاح، أو على سبيل العادة، أو مثلاً عند الخصام والشجار فيما بينهم دون حرجٍ منهم، أو إنكار عليهم من الغير، ولا شك أن استمرارهم لهذا السلوك المخزي المخرج من الدين يسبب إباحة الردة في المجتمع، وعدم مسائلةِ المتلفظِ بهذه الألفاظ مساءلة قانونية. - تعطيل الحدود الشرعية: وذلك أن في إقامة الحدود في المجتمع المسلم هي حياة للناس وبسطاً للأمن والاستقرار وحفظاً للأموالِ والعقول، والأعراض، وعبوديةً لله تعالى، فقال تعالى: “ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون” البقرة: 179. وقال في الزانية والزاني:“وليَشهدُ عذابهما طائفة من المؤمنين” النور:2. وروى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله.
إن الحدود التي تقام في حق الناس تعتبر خيرٌ لهم، ومن هذه الحدود، حد الردة، فإذا أبيحت الردة تعطّل هذا الحدّ وتعطّل ما سواه من الحدود؛ لأن الحاكم الذي لا يغار على دين الله، ولا ينتصر لله، ولا لرُسله، لا يمكن أن يغارُ على شخصٍ انتهك عرضه، أو ينتصر لأحد من المسلمين، فلا يمكن إذا سرق من مال شخص أن يتتبع السارق حتى تُقطع يده، وإذا قذف عرض مسلمٍ أن يتتبع القاذف حتى يقيم عليه الحد؛ لأن الإنسان ليس عنده من الإيمان ما يحثّه لأجل أن يقيم هذه الحدود، بل إن هذا الشخص قد يكون واقعاً في بعضها، فهل للحاكم أن يقيم الحد على أحد وهو واقع في هذا الفعل، وهذا ما لا يكون أبدا ولا يتصور في الواقع البتة، ولأجل هذا الأمر، وهو عدم الغيرة على الشرع وعلى حدوده، وقد حرّم الإسلام تنصيب حاكم علماني، أو غير مسلم لعدم وجود الغيرة الدينية في قلوبهم على حدود الله وشرعه. - ذهاب الغيرة من النفوس في الغالب: فالغيرة هي الحمية والأنفة، ويكره الإنسان اشتراكُ غيره فيما هو من حقهِ، ومن الغيرة ما هو محمود، مثل الغيرة في الريبة في مواضعها الشرعية، ومنها ما هو غير محمود كالغيرة في غير ريبة، عندما يتجاوز الحدّ فيها وهي من صفات الله تعالى وصفات رسله الكرام وصفات المؤمنين.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى يغار وغيرةُ الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه”، وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن يغار والله أشد غيراً “.
فجميع هذه المعاني الجميلة في الغيرة المحمودة تذهب من النفوس بانتشار الردة ورضا الناس بها وتطبيع نفوسهم عليها، فلا يغار أحدٌ على انتهاك المحرمات والمقدسات، أو انتشار المحرمات، والمعاصي؛ لأن من لوازم الرضا بالكفر الرضا بما هو دونه من الفواحش والموبقات، فإذا رضي المرء بذلك فهو دلالة على ذهاب غيرته أو ضعفها في قلبه، وذلك من علامات ضعف الإيمان لديه. - قطع الأرحام والأصهار، والصلات بين الناس: إن بالردة يصبح المرتد غريباً على أقاربه وأهلهِ وعشيرته وعلى كامل مجتمعه؛ لأنه حينئذ يصبحُ فرداً آخر ليس منهم من حيث الأخوة الإيمانية، ولا يجوز لأي أحدٍ في هذه الحالة أن يواليه، أو يُصاهره، أو ان ياكل معه، او يشرب أو حتى أن يسكن معه حتى يعود إلى دينه ويتوب. وذلك لقول الله تعالى:” لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ“المجادلة:22.
فتكون الردة بهذا الحالُ هي السبب الأكبر في تقطيع الأرحام والعلاقات بين الناس، وتقطيع الأرحام هو أمرٌ عظيم عند الله تعالى فقد رتب عليه سبحانه في الدنيا اللعنة وعدم الهداية، وفي الآخرة عدم دخول الجنة.