لقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن بعض العلامات الساعة الصغرى ومن هذه العلامات، هي طاعون عمواس، واستِفاضة المال، والاستغناء عن الصدقة.
طاعون عمواس:
لقد جاء في حديث عوف بن مالك، قوله عليه الصلاة والسلام:” اعدُد ستاً بين يدي الساعة… وذكر منها، ثم موتان يأخذ فيكم كقُعاص الغنم”. رواه البخاري.
وقال ابن حجر: يُقال إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر، وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس. ففي سنة ثمان عشرة للهجرة على المشهور الذي عليه الجمهور، وقع طاعون في كورة عمواس، ثم انتشر في أرض الشام، فمات فيه خلقٌ كثير من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، قيل: بلغ عدد من مات فيه خمسةٌ وعشرون ألفاً من المسلمين، ومات فيه من المشهورين: أبو عُبيدة عامر بن الجراح، وهو أمين أمة المسلمين رضي الله عنه.
استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيضُ حتى يُهِمّ ربّ المال من يقبله منه صدقةً، ويدعى إليه الرجل، فيقول: لا أرب لي فيه.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “ليأتين على الناس زمانٌ يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها منه”. صحيح مسلم. وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى سيعطي هذه الأمة، ويفتح عليها من كنوز الأرض، وأن ملك أمته سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، ففي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن الله زوى” أي جمعته” لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُويَ لي منها، وأعطيتُ الكنزين الأحمر والأبيض” صحيح مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام:” وإني قد أُعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض”.
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: بينما أنا عند النبي عليه الصلاة والسلام إذا أتاه رجلٌ، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاهُ آخر، فشكا إليه قطع السبيل، فقال: ياعدي! هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طال بك حياةٌ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله. قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار” أي معنى الخبيث المفسد” طيئ الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياةٌ لتفتحنّ كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يُخرجُ ملء كفه من ذهبٍ أو فضةٍ؛ يطلب من يقبلهُ منه؛ فلا يجدُ أحداً يقيلهُ منه. فقال عدي، لقد رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبي أبو القاسم عليه الصلاة والسلام؛ يخرج ملء كفه”. صحيح البخاري، كتاب المناقب- باب علامات النبوة.
فقد تحقق كثيرٌ مما أخبرنا به الصادق عليه الصلاة والسلام، فكثر المال في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما وقع من الفتوح، واقتسموا أموال الفرسِ والروم، ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكان الرجل يَعرضُ المال للصدقة، فلا يجد من يقبله.، وسيكثرُ المالُ في آخر الزمان، حتى يعرض الرجل ماله، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به. وهذا والله أعلم إشارةٌ إلى ما سيقع في زمن المهدي وعيسى عليه السلام؛ من كثرة الأموال، وإخراج الأرض لبركتها وكنوزها.
ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، قال: فيجيء القاتل، فيقول في هذا قتلتُ. ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعتُ رحمي. ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعتُ يدي. ثم يدعونه فلا يأخذون منهُ شيئاً” صحيح مسلم.
وذكر ابن حجر أنه يحتمل أن يكون استغناء الناس عن المال وتركهم له وقت خروج النار واشتغال الناس بأمر الحشر، فلا يلتفتُ أحدٌ حينئذٍ إلى المال، بل يقصد أن يتخففُ ما استطاع.
وما ذكرهُ ابن حجر من استغناء الناس عن المال لا شتِغالهم بأمر الحشر لا يُنافي أن يكون لاستغنائِهم سببٌ آخر، وهو كثرة المال؛ كما يحصل في زمن المهدي وعيسى عليه السلام، وبذلك يكون الاستغناء يقع في زمنين، وإن تباعدا، بسببين مختلفين.