أهمية العُرف:
إن الله عزوجل أنزل شرائع عظيمة متتابعةً لإصلاح البشرية، وكانت كلُ شريعة تُناسب البيئة التي ينزل التشريع فيها، وحسب استعداده العقلي، ولا شك أن الإسلام دين البشرية كلها على اختلاف الأجناس وتباعد الأصقاع: فقال الله تعالى: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” آل عمران:19.
ولا بد لهذا الدين شأنه أن تتسم قواعدهُ بالمرونة والشمول، يستطيع المجتهد على ضوء ذلك أن يُقدم الأحكام المناسبة لما يجد في الحياة من مشاكل وحوادث، ومن تلك القواعد المرنة قاعدة العُرف التي أناط الشرع بها كثيراً من الأحكام، ولِما للعُرف من أهمية عظيمة في الفقه الإسلامي، اشترط في الفقيه أن يكون عارفاً بأعراف البيئة التي يعيش فيها، سواء كان قاضياً أو مفتياً، فيطلبُ من القاضي أو المفتي أن يكون مُلماً بأعراف من يحكم بينهم ويفصل في خصوماتهم، لكي يعرف ألفاظهم الصريحة والكناية في أبواب الطلاق والقذف وما إلى ذلك، كما يطلبُ المفتي أن يعرف أساليب وعاداتهم في كل التصرفات من طلاق ووصايا ووقفٍ وبيعٍ وشراءٍ وقبض وهبةٍ وعطيةٍ وما شاكل ذلك.
فإن منزلة العُرف في الفقه الإسلامي منزلة رفيعة يُحافظ الفقه عليها ويرعاها، وفقهاء الشريعة الإسلامية على اختلافهم، متفقون على اعتبار العُرف بصفة عامة دليلاً يرجع إليه لمعرفة الأحكام الفقهية إذا أعوزهم النص الشرعي من الكتاب والسنة، وهذا يدل على قولهم: الثابتُ بالعُرف مثل الثابت بالنص، والعادة محكمة.
والشارعُ قد اعتبر العُرف في كثيرٍ من الأحكام وأقرّه، كما هو أو بعد تنظيم فيه، فقد أقر ما هم عليه من بيع ورهن وإجارة وسلمٍ إلى غير ذلك من بعض أنواع المعاملات، والعُرف الواجب هو الاعتبار، وهو الذي يحقق المصلحة ويَدفع المضرة ولا يتعارض مع النصوص الشرعية، أما إذا تعارف الناس على شيء يتنافى مع النصوص الشرعية التي لم تبنِ على عرفٍ سابق؛ فإن الفقه الإسلامي يرفضهُ وينبذهُ وراء ظهره غير مقيمٍٍ له وزناً ولا اعتباراً.
قال محمد أبو زهرة: وإذا كانت المصالح دعامة الفقه الإسلامي فيما يتعلق بمعاملات الناس حيثُ لا نص، فإن مراعاة العُرف الذي لا فساد فيه ضربٌ من ضروب المصلحة، ولا يصحُ أن يتركهُ الفقيه، بل يجبُ الأخذ به. فجاءت شريعة الإسلام لتحقيق مصالح العباد، فوجدناها تُراعي أعراف الناس الصالحة، بل إن الفقهاء قد وضعوا قواعدَ ثابتةً متعلقةً بالعرف والعادة، فدل ذلك على اعتبار العرف أصلاً من أصول الشريعة.
أهم القواعد الفقهية المتعلقة بالعُرف:
ومن أهم القواعد الفقهية المتعلقة بالعرف والعادة هي ما يلي:
- استعمال الناس حجة يجب العمل به.
- المعروف بين التجار كالمشروطِ بينهم.
- إنما تُعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت.
- المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً.
- التعيين بالعرف كالتعينِ بالنص.
- لا يُنكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
- العادة المحكمة.
قال السيوطي رحمه الله: إن هذه المجموعة الفقهية المعروفة، بغض النظر عن الفروع والجزيئات المختلف تحت كلٍ منها، ومكن أن نضعها جميعاً تحت عنوان “نظرية العُرف”، فإن العُرف هو الطابع العام الغالب على جميع هذه القواعد المذكورة.