بماذا أهلك الله تعالى قوم فرعون؟

اقرأ في هذا المقال


إهلاك الله تعالى لقوم فرعون:

قال الله تعالى: “وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَالأعراف: 130، لم يأتِ الهلاك لفرعون وقومه فورّاً، بل جاء على مراحل، وهذا من رحمة الله تعالى أنه يأخذ الكافرين بالشّدة، ليذكرهم بقوته وقدرته لعلهم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه، والسّنة هي العام، ولكنها تُطلق على الجدب والقحط، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حينما يدعو على الكفار من قومه يقول: “اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيّنِ يوسف”. أي أعطهم شيئاً من القحط؛ لعلهم يفيقون ويتأدبون ويرجعون إلى الله.
إذن، فالسّنة: والمراد بها القحط والجدب، ولكن لماذا سميت كذلك؟ لأن نعم الله على خلقه كثيرة ومتوالية وابتلاءاتهِ لهم في الكون قليلة، إذن فمدة النعمة طويلة، ومدّة الشّدة قصيرة، حتى إنه من قلتها يؤرخ لها فيُقال: هذه سنة الجراد أو سنة الفيضان المغرق. لماذا يؤرخ لهذه الأحداث المفجعة؟ لأن الأحداث السارة مدتها طويلة جداً، ولكن أحداث البلاء عادة لا تحدث إلّا على فتراتٍ متباعدة؛ ولذلك إذا أحصى أي واحدٍ منا أيام البلاء في عمره، لوجدها قليلة بالنسبة لأيام الرخاء.
وقوله: “ونقصٍ” فإذا كانت السنون هي الجدب والقحط، فما هو النقص من الثمرات؟ نقول: إنّ قول الحق سبحانه وتعالى: “ونقصٍ من الثمراتٍ”؛ يدل على أنه من رحمته أنه ترك لهم بعض الثمرا لتحفظ لهم حياتهم، ولكن هذه الثمرات لم تعطيهم عادةً ما كانوا يأخذونه منها، فيطرح النخل على سبيل المثال قليلاً بدلاً من أن يطرح الكثير من البلح، وهكذا كل أنواع الثمرات. لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يبقى أسباب رحمته لخلق.
وقوله تعالى: “لَعَلّهم يَذّكرون” إن في هذه الآية قضيةً تكمن في أنّ الإنسان إذا أحس أنه قد استغنى بعلمه أو بقوته عن الله فإنه يطغى، فقوم فرعون تعودان أن يزرعوا وتعطيهم الأرض من خيراتها الكثير، وظنوا أنّ ذلك بعلمهم، فجاء موسى ليلفتهم إلى أن ذلك من عطاء الله، وحدث منهم ما حدث فعندما زرعوا هلكَ معظم المحصول وما بقي أعطاهم ثمراً قليلاً، إذن تخلت عنهم الأسباب، وفي هذه الحالة لا يوجد أمامهم إلا المسبب؛ أي إلا أن يقولوا: يا رب.

هل رفع الله تعالى عن فرعون الجدب والعذاب؟

عندما رفع الله تعالى الجذب عن آل فرعون لفترةٍ وأعطاهم الأرض من خيراتها قالوا: “لنا هذهِ”؛ أي أننا نستحق هذا الخير؛ لأننا قد حرثنا الأرض ووضعنا البذرة وسقينا إلى آخر هذا تماماً كما قال قارون: “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚالقصص:78، أي نسب الأسباب إلى نفسه، فخسف الله به الأرض؛ لتعرف الدنيا كلها أنه لا حول ولا قوة في هذا الكون إلا لله، وأن الإنسان مستخلف في الكون، وأن الأسباب خاضعة للإنسان بأمر الله وليس بقدرة البشر.
إنّ آل فرعون آخذوا نفس أسلوب قارون، فإذا جاءت الأرض بمحصولٍ حسن قالوا: هذا جهدنا وعلمنا، ولكن ماذا يحدث إذا أجدبت الأرض مرةً أخرى؟ هل يرجعون إلى الله ويعترفون بالحق؟ لا؛ الحق سبحانه تعالى: “فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” الأعراف:131.
إذا جاء آل فرعون الحسنة نسبوها لأنفسهم، وإذا جاءت السيئة تشاءموا بموسى ومن آمن معه، فالطّيرة هي التشاؤم، وهو ضد التفاؤل، ويقال: فلان طائره نحس، وفلان طائره يُمن، وكانوا في الماضي إذا شغلهم أمر، يأتي الواحد منهم بطائر يضعه على يده ثم يطلقه، فإذا طار يميناً فهذا فأل حسن، أذا طار يساراً تشاءم الرجل، فالله تعالى يريد أن يلفتهم إلى أن هذا الجدب ليس من فعل موسى عليه السلام؛ لأن موسى لا يملك في كون الله شيئاً، إنما مالك الكون هو رب موسى؛ ولذلك فالله سبحانه وتعالى لا يريد لأحد أن يُفن في موسى عليه السلام، فيقول: إنه قادر على أن يأتي بالزرع والخير، وقادر على أن يذهب بهذا الخير ويجعل الأرض جدبّاً.
ولكن آل فرعون بعد أن ذهب عنهم هذا البلاء رجعوا إلى كفرهم، فجاءهم الجراد ليهلك الزرع ثم جاءهم القمل، وهو غير القمل الذي يصيب الإنسان في بدنه وثيابه، وهو حشرة تصيب النبات، معروفة باسم “القراض” ثم جاءت آية الضفادع كلما وضع إنسان من آل فرعون رجلاً أو امرأة يده في مكان وجد فيه ضفدعة؛ في الطعام ضفادع، في الماء ضفادع، في الثياب ضفادع، ثم جاءت آية الدم: كل شيء يمسكه أحد من آل فرعون يتحول إلى دمّ، حتى قيل: إن المرأة من آل كانت إذا أرادت أن تشرب ماء ذهبت إلى امرأة من بني اسرائيل وقالت لها: خذى الماء في فمك وضعيه في فمي، وكأنما تريد أن تحتال على الله، ولكن الماء في فم قوم موسى يكون ماء، فإذا ما دخل فم قوم فرعون انقلب دماً.


شارك المقالة: