الحالات التي بكى فيها النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته:
إنّ من الحالات التي بكى فيها النبي عليه الصلاة والسلام بخشيةٍ وشدة هي ما يلي:
- بكاؤهُ من خشية الله في صلاة الليل، فقال بلال يا رسولُ الله، لم تبكي وقد غفرَ الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليذ الليلة آية، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ“ آل عمران:190.
- بكاء النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة من خشية الله تعالى، فعن عبد الله بن الشخّير قال: “أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصلّي ولصدره أزيرٌ كأزير المِرجل من البكاء” رواه أبو داود.
- بكاء النبي عليه الصلاة والسلام عند سماع القرآن، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “اقرأ عليّ القرآن” فقلت يا رسول الله اقرأ عليك؛ وعليك أنزل؟ فقال: “نعم فإني أحبُ أن أسمعهُ من غيري” قال ابن مسعود: فافتتحتُ سورة النساء فلما بلغت: قال تعالى: “فكيف إذا جئنا من كلّ أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً” فإذا عيناهُ تذرفانِ. رواه البخاري.
- بكاء النبي عليه الصلاة والسلام عند فقد الأحبة، فقد بكى النبي عليه الصلاة والسلام عند موتِ ابنه إبراهيم، فجعلت عيناه تذرفانِ، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: “يا ابن عوف إنها رحمةً، إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربّنا، وأنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزنونون” رواه البخاري.
- بكاء النبي عليه الصلاة والسلام عند وفاة إحدى بناتهِ، قيل: هي أمّ كلثوم زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنهما جميعاً، فعن أنس رضي الله عنه قال: شهدنا بنتاً للنبي عليه الصلاة والسلام قال: ورسول الله صلّى الله عليه والسلام جالسٌ على القبر، فرأيت عينيه تدمعانِ، فقال: هل فيكم أحد لم يُقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: “فانزل في قبرها” رواه البخاري. قال: فنزل في قبرها فقبرها.
- بكى عليه الصلاة والسلام عند موت ابنة له أيضاً، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابنة له تقضي، فاحتضنها فوضعها بين يديه فماتت وهي بين، فصاحت أمّ أيمن، فقال: يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلم،” أتبكين عند رسول الله”؟ فقالت: ألستُ أراك تبكي؟ قال: “إني لستُ أبكي إنما هي رحمة، إنّ المؤمن بكلِ خير على كلّ حال، إن نفسهُ تُنزع من بين جنبيه وهو يحمدُ الله تعالى” رواه أحمد.
- لقد بكى عليه الصلاة والسلام عند وفاة أحد أحفادهُ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت بنتُ النبيّ عليه الصلاة والسلام: إنّ ابني قد احتُضرَ فاشهدنا، فأرسل يُقرئ السلام ويقول: “إنّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى، فلتصبرُ ولتحتسب” فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينّها، فقام ومعهُ سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنه، فرُفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام الصبّي، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، قال: كأنها شنّ.
- بكى النبي عليه الصلاة والسلام عند موت عثمان بن مظعون، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُقبلُ عثمان بن مظعون وهو ميّتٌ حتى رأيت الدموع تسيل، ولفظ الترمذي: “أن النبي عليه الصلاة والسلام قبّل عثمان بن مظعون وهو ميتٌ وهو يبكي، أو قال: عيناه تذرفان” رواه أبو داود.
- بكى عليه الصلاة والسلام على شهداء مؤته، فعن أنسٍ رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام نعى زيداً وجعفراً للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: “أخذ الرّاية زيدٌ فأصيب، ثم أخذ جعفرٌ فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناهُ تذرفانِ حتى أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله حتى فُتح عليهم” رواه البخاري.
- وبكى عليه الصلاة والسلام عند زيارة قبر أمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي عليه الصلاة والسلام قبر أمهِ فبكى، وأبكى من حوله، فقال: “استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنتهُ في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت” رواه مسلم.
- بكى عليه الصلاة والسلام عند سعد بن عبادة وهو مريض، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاهُ النبي عليه الصلاة والسلام يعودهُ مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فلما دخلَ عليه وجده في غاشية أهله رأى القوم بكاء النبي عليه الصلاة والسلام بكوا، فقال: ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يُعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يُعذب بهذا. وأشار إلى لسانهِ، أو يرحم” رواه البخاري.
- بكى عليه الصلاة والسلام عند القبر، فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كُنّا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بَلّ الثّرى، ثم قال: “يا إخواني لمثل هذا فأعِدوّا” رواه ابن ماجه.
- وبكى أيضاً عليه الصلاة والسلام في ليلة بدر وهو يصلي يُناجي ربه ويدعوه حتى أصبح، فعن علي بن أبي طالب رضي عنه، قال: ما كان فينا فارس يوم بدرٍ غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت شجرةٍ يُصلي ويبكي حتى أصبح.
- بكى أيضاً عليه الصلاة والسلام في صلاة الكسوف، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: انكسفت الشمس يوماً على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُصلّي ثم سجد، فلم يكد يرفعُ رأسهُ فجعلَ ينفخُ ويبكي، وذكرَ الحديث وقال: فقام وحمدَ الله وأثنى عليه، وقال: “عُرِضَت عليّ النار فجعلتُ أنفخها، فخفتُ أن تغشاهم”، وفيه “ربّ ألمٍ تعدني ألا تُعذبهم” رواه ابن خزيمة في صحيحه.
- وبكى عليه الصلاة والسلام على شفقتهِ على أمهِ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام تلا قول الله في إبراهيم: “رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِني” إبراهيم:36. وقال عيسى عليه السلام في قوله تعالى: “إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” المائدة:118. فرفع يداهُ وقال: “اللهم أمتي أمتي” وبكى، فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد عليه الصلاة والسلام وربّك أعلم فسلهُ ما يُبكيك؟ فأتاهُ جبريل عليه السلام فسأله، فأخبرهُ رسول الله بما قال وهو أعلم، فقال الله: “يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنّا سنُرضيك في أمتك، ولا نسوؤك” رواه مسلم.