ما هي الحكمة في نزول عيسى دون غيره؟

اقرأ في هذا المقال


الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره:

لقد تلمّس بعض العلماء الحكمة في نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان دون غيره من الأنبياء، ولهم في ذلك عدةُ أقوال:

  • الردّ على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، فقد بيّن الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم ويقتل زعيمهم الدّجال، كما تحدثنا سابقاً في الكلام على قتال اليهود. ورجّح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره.
  • إن عيسى عليه السلام وجَد في الإنجيل فضل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى:” وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ” الفتح:29. فدعا الله أن يجعله منهم، فاستجاب الله دعاءه، وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجدّداً لأمر الإسلام.
    قال الإمام مالك رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خيرٌ من الحواريّين فيما بلغنا.
  • إن نزول عيسى عليه السلام من السماء، لدّنوّ أجله، ليّدفن في الأرض، إذ ليس لمخلوقٍ من التراب أن يموت في غيرها، فيوافق نزوله خروج الدّجال، فيقتلهُ عيسى عليه السلام.
  • إنه ينزل مكذّباً للنصارى، فيُظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل، ويُهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام، فإنه يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية.
  • إن خصوصيته بهذه الأمور المذكورة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: “أنّ أولى الناس بعيسى بن مريم، ليس بيني وبينه نبيّ”. صحيح البخاري.
    فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخص الناس به، وأقربهم إليه، فإن عيسى بشّرَ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي من بعده، ودعاً الخلق إلى تصديقه والإيمان به، كما في قوله تعالى:”وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ” الصف:6. وفي الحديث:” قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ قال: نعم، أنا دعوة أبي أبي إبراهيم بشرى أخي عيسى” رواه اسحاق.

بماذا يحكم عيسى عليه السلام:

يحكم عيسى عليه السلام بالشريعة المحمّدية، ويكون من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه لا ينزل بشرع جديد؛ لأن دين الإسلام خاتمُ الأديان، وباقٍ إلى قيام الساعة، لا ينسخ، فيكون عيسى عليه السلام حاكماً من حكام هذه الأمة، ومجدّداً لأمر الإسلام، إذ لا نبيّ بعد محمدٍ عليه الصلاة والسلام.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامُكم منكم. فقلتُ القائل الوليد بن مسلم لأبي أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة: وإمامكم منكم. قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني؟ قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيّكم عليه الصلاة والسلام”. صحيح مسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة” صحيح مسلم.
قال القرطبي:” ذهبت قومٌ إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف، لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان، يأمرهم عن الله تعالى، وهذا يعني: كونه رسولاً بعد محمد، أمرٌ مردودٌ بقوله تعالى:”وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ” الأحزاب:40. وقوله عليه الصلاة والسلام: “لا نبي بعدي”صحيح مسلم. وقوله: “أنا العاقب” صحيح البخاري. يريد آخر الأنبياء وخاتمهم.
وإذا كان ذلك، فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزلُ نبيّاً بشريعة متجدّدة غير شريعة محمد نبيّنا عليه الصلاة والسلام، بل إذا نزل، فإنه يكون يومئذٍ من أتباع محمدٍ عليه الصلاة والسلام، كما أخبر عليه الصلاة والسلام حيث قال لعمر: لو كان موسى حيّاً، ما وسعه إلا اتّباعي” مسند الإمام أحمد. فينزل وقد عُلم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس، والعمل به في نفسه، فيجتمع المؤمنين عند ذلك إليه، ويحكّمونه على أنفسهم، ولأن تعطيل الحكم غير جائز، وأيضاً، فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض: الله، الله. والذي يدلّ على بقاء التكليف بعد نزول عيسى عليه السلام صلاته مع المسلمين، وحجّه، وجهادهُ للكفار.
وأما وضع عيسى للجزيةِ عن الكفار، مع أنها مشروعة في الإسلام قبل نزوله عليه السلام، فليس هذا نسخاً لحكم الجزية جاء به عيسى شرعاً جديداً، فإن مشروعية أخذ الجزية مقيّد بنزول عيسى عليه السلام بإخبار نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو المبين للنّسخ، بقوله لنا:” والله لينزلنّ ابن مريم حكماً عدلاً، فليكسرنّ الصّليب، وليقتلنّ الخنزير، وليضعنّ الجزية” صحيح مسلم.


شارك المقالة: