الخلوة الصحيحة في الزواج وأحكامها

اقرأ في هذا المقال


الخلوه الصحيحة:

الخلوة الصحيحة: هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج الصحيح في مكانٍ يأمنان فيه من اطلاع الناس عليهما كمنزل أو بيتٍ مغلق الباب. فإذا كان الاجتماع في شارع أو أي طريق أو مسجد أو حتى حمام عام أو سطح غير ساتر أو حتى في بيتٍ مفتوح الباب والنوافذ أو في بستان لا يوجد باب له فلا تتحقق الخلوة الصحيحة. ويُشترط فيها ألا يكون بأحد الزوجين مانعٌ طبعي أو حسي أو شرعي يُمنع من الوطء أو الاتصال الجنسي.

موانع الخلّوة:

تقسم موانع الخلوة إلى عدة أقسام وهي:

  • المانع الحسي: مثل مرض بأحد الزوجين يمنع الوطء من رتَق (تلاحم)، وقرَن (عظم)، وعفَل (غدة)، أما خلوة الخصي (مسلوب الخصية) والعنين (العاجز عن الجماع) فهي صحيحة، وأما خلوة المجبوب فهي صحيحة عند أبي حنيفة خلافاً للصاحبين.
  • المانع الطبيعي: ما يمنع النفس بطبيعتها عن الجماع، مثل وجود شخص ثالث عاقل، ولو كان أعمى أو نائماً أو صبياً مميزاً أو زوجة أخرى. فإن كان هناك غير مميّز أو مجنون أو مغمى عليه، فالخلوة صحيحة.
  • المانع الشرعي: أن يكون هناك ما يحرم الوطء شرعاً كالصوم في رمضان، والإحرام بحج أو عمرة، والاعتكاف، والحيض والنفاس، والدخول في صلاة الفريضة، والخلوة في المسجد؛ لأن الجماع في المسجد حرام.
  • الخلوة الفاسدة: هي كل خلوة وجد فيها مانع من الموانع الثلاثة السابقة، أو وجود شخص ثالث عاقل مع الزوجين، أو عدم صلاحية المكان، أو فساد الزواج. فإن لم تتوافر هذه الشروط فالخلوة فاسدة، بأن يكون الزواج فاسداً، أو الخلوة في مكان يمكن لأحد الناس الدخول عليهما (عدم صلاحية المكان) أو وجود مانع من الجماع.

آراء الفقهاء في أحكام الخلوة:

للفقهاء رأيان في الخلوة، في مذهب المالكية والشافعية في الجديد: فالخلوة وحدها بدون جماع وإرخاء الستور لا تؤكد المهر للزوجة، فلو خلا الزوج بزوجته خلوة صحيحة، ثم طلقها قبل الدخول بها، وجبّ فقط نصف المهر المسمى، أوالمتعة إن لم يكن المهر مسمى، علماً بأن المتعة عند المالكية مستحبة لا واجبة.
والدليل قول الله تعالى:“وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم” البقرة:237 والّمس: كناية عن الاتصال الجنسي، وفسروا آية “وقد أفضى بعضكم إلىبعض” النساء:21. 
بأن الإفضاء معناه الجماع، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلم جعل المهر للمرأة بما استحلّ من فرجها أي أصابها.
قال المالكية للخلوة الصحيحة حكمان:
الأول: وجوب العدّة على المرأة، حتى ولو اتفق الزوجان على عدم وقوع الوطء فيها؛ لأن العدّة حق الله تعالى، فلا تسقط باتفاق الزوجين على نفي الوطء، مع اعترافهما بالخلوة.
الثاني: صيرورتها قرينة على الوطء عند اختلاف الزوجين في حدوثه: فإذا اختلى الرجل بزوجته خلوة اهتداء، وهي المعروفة عندهم بإرخاء الستور: وهي أن يسكن كل واحد من الزوجين للآخر، ويطمئن إليه. ثم يطلقها، ويختلفان في حصول الوطء، صدقت الزوجة بيمينها فيما تدعيه. فإن امتنعت عن اليمين حلف الزوج، ولزمه نصف الصداق.
وإن نَكل عن اليمين، لزمهُ جميع الصّداق؛ لأن الخلّوة بمنزلة شاهد، والنكول عن اليمين بمنزلة شاهد آخر.
ومذهب الحنفية والمالكية: الخلوة كالوطء في تكميل المهر، ولزوم العدة، وثبوت النسب، وتحريم الأخت، وأربع سواها حتى تنقضي عدتها. ويُعد اللّمس والتقبيل بشهوة عند الحنابلة كالدخول أيضاً. وعليه يكون الطلاق بعد الخلوة الصحيحة طلاقاً بائناً، تترتب عليه الأحكام التالية:

  • ثبوت كامل المهر: فلو طلّقها بعد الخلوة الصحيحة، استحقّت كل المهر المسمّى، ومهر المثل إن لم تكن التسمية صحيحة.
  •  ثبوت النسب: فلو طلّقها بعد الخلوة الصحيحة، وجاءت بولد ثبت نسبه منه إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر بعد الخلوة.
  • وجوب العدّة: فإن طلقها بعد الخلوة ولو كانت فاسدة عند الحنفية، وجب عليها العدة المقررة بعد الدخول والفرقة.
  •  لزوم نفقة العدة على الزوج المطلّق: وهي الطعام والسكنى والكسوة.
  • حرمة التزوّج بامرأة محرم لها أو بأربع سواها ما دامت في العدة، أو التزوّج بخامسة في عدتها إذا كانت رابعة، كما يحرم الزواج خلال العدة من طلاق بعد الدخول.
  •  تطليقها في الطهر: إذا أراد الزوج طلاق الزوجة بعد الخلوة الصحيحة، لزمه مراعاة وقت الطلاق، وهو كونه في طهر، كالمقرر في الطلاق السني بعد الدخول.

إنّ الخلاصة من هذه النقاط هي: أن ثبوت المهر والعدة من أحكام الخلوة المحضة، وأما ثبوت النسب فهو عند الحنفية من أحكام العقد مطلقاً، وأما بقية الأحكام فهي من آثار العدة.
ولا تكون الخلوة كالوطء أو الدخول فيما يأتي:
1. الإحصان: فالخلوة الصحيحة لا تجعل الزوجين محصنين لإقامة حدّ الرجم، وإنما لا بدّ من الدخول.
2. الغسل: لا يجب الغسل على أحد الزوجين بمجرد الخلوة، بخلاف الوطء.
3. حرمة البنت: الخلوة لا تحرّم البنت على الزوج، وله أن يتزوجها بعد طلاق أمها، وإنما لا بد من الدخول الحقيقي بالأم لتحريم ابنتها على الزوج.
4. التحليل: الخلوة الصحيحة مع الزوج الثاني لا تحل المرأة لزوجها الأول، وإنما لا بد من الدخول الحقيقي (ذوق العسيلة) ثم طلاقها.
5. حصول الرجعة: الخلوة بالمطلّقة لا تكون رجعةً، فمن طلّق امرأته طلاقاً رجعياً ثم اختلى بها من غير أن يرجع بالقول، أو بالفعل كوطء وتقبيل، لا يكون بالخلوة مُراجعاً لها، أما الدخول فإنه يحقق المراجعة.
6. العودة للزوجية بدون عقد جديد: الطلاق بعد الخلوة يكون بائناً، فلا تعاد إلى المطلق إلا بعقد ومهر جديدين. أمّا الطلاق بعد الدخول فيقع رجعياً إذا لم يكمل الثلاث، فيمكن للرجل مراجعة امرأته من غير عقد جديد.
7. الميراث: يقع الطلاق بائناً بعد الخلوة، فإذا مات أحد الزوجين في أثناء العدة من هذا الطلاق فلا يرثه الآخر، إذ لا ميراث في الموت في عدة الطلاق البائن. إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً غير مكمّل للثلاث، ومات أحدهما في عدة هذا الطلاق، فإن الآخر يرثه؛ لأن الطلاق حينئذ رجعي، والموت في عدة الطلاق الرجعي كالموت حال قيام الزوجية.
8. تزوجها كالأبكار على المختار عند الحنفية: فمن طلق امرأته بعد الخلوة، فحكمها في الزواج كحكم الأبكار؛ لأنها بكر في الحقيقة. أما المدخول بها حقيقة فيكون تزوجها بغير الزوج الأول بعد الفراق كتزوج الثيبات.ويلاحظ ما يأتي:
–  إن أحكام الخلوة المذكورة لا تثبت إلا إذا كان عقد الزواج صحيحاً، فإن كان فاسداً فلا يثبت للخلوة بعده شيء من تلك الأحكام.
– والعدة في المعتمد في المذهب الحنفي قد تجب في بعض حالات الخلوة الفاسدة: وهي التي يكون فسادها لمانع طبيعي أو شرعي؛ لأن الوطء ممكن في ذاته، بخلاف حالة المانع الحسي.
– تجب العدة في الخلوة في القضاء فقط، لا في الديانة، أما العدة بعد الدخول الحقيقي فتجب قضاء وديانة.والدليل على على أقوال الحنفيه والحنابلة: استدل هؤلاء على جعل الخلوة بمثابة الدخول بما يأتي :
قال الله تعالى:”وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطاراً، فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً” النساء:20-21.
نهى الشرع عن أخذ شيء من المهر بعد الإفضاء، والإفضاء ـ كما قال الفراء ـ هو الخلوة، سواء دخل بها أم لم يدخل.


شارك المقالة: