ما هي الشبهات الواردة في عصمة إبراهيم عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


الشبهات الواردة في عصمة إبراهيم عليه السلام:

إنّ من المعلوم كما هو مقرر في عقيدةِ الأنبياء بأنهم معصومون من الأخطاء؛ وذلك لأنهم مبلغون عن الله سبحانه وتعالى في أمور الدين، لا بل إنّ الأمةَ اتفقت على أنهم معصومون في تحملّ الرسالة، فهم أيضاً معصمون في التبليغ، ومن أهم ما هم معصومون عنه هو الكذب، فلو جاز الكذب عندهم لحصل الكذب على الله في تبليغهم لرسالتهِ سبحانه وتعالى، ولسقطت هيبتهم من القلوب.
ولقد ورد في شأن إبراهيم عليه السلام ما قاله الله عنه في قوله“هذا ربّي” فظاهرهُ إنّ اعتقد ذلك الشرك، وإن لم يعتقده فظاهره الكذب، وهو عليه السلام ليس بهذا ولا ذلك. وهناك شبهةً أخرى وردت في السنة النبوية في حديث الكذبات الثلاث التي يعرضها عليه السلام يوم القيامة، ويرفض الشفاعة لأجلها، ولقد أثار أعداء الإسلام هذه الشبهة كثيراً؛ ليطعنوا في شخصية الخليل عليه السلام، ولكن هيهات لهم ذلك، وقد ورد الحديث عنها في القرآن الكريم في اثنتين منها، كما أخبر الله تعالى عنه حين ترك عليه السلام، ولكن هيهات لهم ذلك، وقد ورد الحديث عنها في القرآن الكريم في اثنتين منها، كما أخبر الله تعالى عن حين ترك عليه السلام الذهاب معهم إلى الأصنام، فقال: “فقالَ إنّي سقيم” الصافات:89. وأما الثالثة فقد وردت في السنة مع الاثنتين اللتين وردتا في القرآن الكريم.
لقد روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: “لم يَكْذِب إبرَاهِيمُ عليه السَّلَام إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ منهنَّ في ذَاتِ اللَّهِ عز وجلَّ، قَوْلُهُ “إنِّي سَقِيمٌ” الصافات: 89. وقَوْلُهُ: “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا” الأنبياء: 63. وقالَ: بينَا هو ذَاتَ يَومٍ وسَارَةُ، إذْ أَتَى علَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ، فقِيلَ له: إنَّ هَا هنَا رَجُلًا معهُ امْرَأَةٌ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ، فأرسَلَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنهَا، فَقالَ: مَن هذِه؟ قال: أُخْتِي، فأتَى سَارَةَ قال: يا سَارَةُ: ليسَ علَى وجهِ الأرضِ مُؤْمِنٌ غيرِي وغَيْرَكِ، وإنَّ هذا سَأَلَنِي فأخبَرتُهُ أنَّكِ أُختِي، فلا تُكَذِّبِينِي، فأرسَلَ إلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَت عليه ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بيَدِهِ فَأُخِذَ، فَقالَ: ادعِي اللَّهَ لي ولَا أَضُرُّكِ، فَدَعَت اللَّهَ فَأُطلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ، فَقال: ادعِي اللَّهَ لي ولَا أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ، فَدَعا بَعضَ حَجَبَتِهِ، فَقال: إنَّكُمْ لَمْ تَأتُونِي بإنسَانٍ، إنَّما أَتَيْتُمُونِي بشيطَانٍ، فأخدَمَهَا هَاجَر، فأتَتْهُ وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، فأوْمَأَ بيَدِهِ: مَهْيَا، قالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الكَافِرِ، أَوِ الفَاجِرِ في نَحرِهِ، وأَخدَم هَاجَرَ قالَ أَبُو هُرَيرَةَ تِلكَ أُمُّكُم يا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ” صحيح البخاري.
إنّ من العلماء من جعل الكذبة الثالثة هي أيضاً في ذات الله؛ لأن في ذلك دفع لها عن فعل الفاحشة، وإنما ذكر الإثنتين في ذات الله سبحانه وتعالى؛ لأن في الثالثة تضمنت نفعاً له وحظاً مع كونها هي ذات الله.
إنّ صفة الكذب التي ورد في الآيتين والحديث لا تنصرف في معناها إلى الكذب المذموم فعله؛ ولو كان كذلك لنفي العصمة التي هي صفة للأنبياء، فكيف بأبي الأنبياء؛ إنّ ما أتى به إبراهيم عليه السلام هو من باب المعاريض لمندوحة عن الكذب، قال ابن قتيبة الدينوري: وجاءت الرخصة في المعاريض وقيل: إن فيها عن الكذب مندوحةٌ، فمن المعاريض قول إبراهيم عليه السلام في امرأته إنها أختى يريد أن المؤمنين إخوة، وقد يجرى المرء على الكذب بأجر، خصوصاً إذا ما كان في طاعة الله، قال ابن حزم، فليس كل كذب معصية، بل منه ما يكون طاعة لله عزّ وجل وفرضاً واجباً يعصي من تركه وكل ما روي عن إبراهيم عليه السلام، فهو داخل في الصفة المحمودة، لا في الكذب الذي نهى عنه.
وإنما أطلق عليها كذباً؛ لأنّ السامع يظهر له في هذا القول أنه من الكذب، ولكن إنّ تحقق في القول وبحث عنه علم أنه ليس من الكذب المحض، بل هو من المعاريض.
ولهذه الكذبات تأويل مما يدخلها في الكذب المباح، ويظهر أنها طاعة من إبراهيم عليه السلام لربه عزّ وجل، مع أنه عليه السلام جعلها سبباً في تركه للشفاعة يوم؛ لعظم الشفاعة، ولإشفاقةِ على نفسه من أن يؤاخذه الله بها؛ لأن مفهوم الظاهر خلاف الباطن، وأول هذه المعاريض كما ورد في القرآن والسنة:
قال الله تعالى: “فنظرَ نظرةً في النجوم- فقال إنّي سقيمٌ” الصافات:88-89. أورد العلماء في معناها الكثير، فمن المعاني: ما ذكر النووي: أن به سقم يأتي ويذهب، وأنه قد أتاه في ذاك الوقت، وقد استعبد ابن حجر ذلك لكونه لا ينصرف إلى اكذب مطلقاً، وهو كذلك فلو كان كما قيل أن به سقم، لامتنع عن كسر الأصنام. ويحتمل أن يكون معناها: مريض النفس والقلب من عبادتكم للأصنام، وفي هذا اعتذار منه عن الحضور معهم وبالمعنى الأخير يكون قوله من المعاريض التي هي ليست من الكذب المحض، بل هي من المباح، قال سيد قطب: قال ذلك معبّراً عن ضيقه وتعبه، وأفصح عنه ليتركونه وشأنه، ولم يكن هذا كذباً منه إنما كان له أصل في واقع حياته في ذلك اليوم، وإن الضيق ليمرض ويسقم ذويه.


شارك المقالة: