الطريق الصحيح للتصرف في مال المرتد:
إن الطريقة السليمة والتي توافق ما قاله أهل العلم حول مصادرة مال المرتد، كما أسلفنا في المقولات عنهم، تكون وفق الآلية الآتية:
- لا يصادر مال شخص حتى يقع المكان المتفق عليه عند أهل العلم أنه مكان ردة، وفيه برهان قاطع، وحتى يحكمَ بردته ومصادرة ماله محكمةٌ شرعية صحيحة مستقلة نزيهة، أو لجنة من أهل العلم والكفاءة يرتضيها أهل الحل والعقد في البلد، حتى تكون مصادرة المال مستندة على حكم شرعي وقضائي صحيح، ولا تكون المسألة تابعة للهوى والشهوة التي تبرر لصاحبها وتشرع له كل خطأ.
- لا يؤخذ مال المرتد، إلا لمن مات أو قُتل، فقد يُرجى للحي عودته للدخول في الإسلام على سبيل الفَرضية بأنه وقعَ في ردةٍ صحيحةٍ.
- يستطيع القاضي أن يُعين من يقوم على إدارة الأموال التي لم يبقى له أصحاب، وكان هذا المال معرّضاً للهلاك، ويكون ربع المال مع أصله وموقوفاً حتى يتبين أمر المرتد، ويُعطى مال المرتد للشخص القائم على إدارة المال أجر المثل.
- إن في حال اعتماده على الرأي الآخر ومصادرة المال على أنه فيءٌ، فإنه يوضعُ بما فيه مصلحة المسلمين عامةً، على سبيل المثال أن يقومو بتسكين الناس الهاربة من الحرب، وأن ينفقوهُ على مصالح الناس من الناحية التعليمية، أو تصليح طرقات أو مراكز صحية، وأن لا يكون تحت تصرف الفصائل؛ وذلك لأنها ستقومُ باستعماله في خاصة أفرادها، لا بل قادتها، ولا نستطيع ظبط أو تمييز ما هو استعمالٌ ضروري من الاستعمال الترفيهي، لكن من الظاهر والواقع أن جلهُ يقع في المصالح الشخصية، وأنه يفتح باباً من أجل الطعن بالثورة وأهلها.
- إن المصادرة ليست واجبة في هذه الحالة؛ لأن هذا الأمر يختص به الإمام، وليس هناك من يقوم مقامه، وكل هذا الكلام فيما لو أراد شخصٌ ما أن يقوم بهذا الأمر، مع أني أدين لله أن قيام أي فصيل مهما كبر حجمه بما هو من مناطات واختصاصات الإمام غير جائز، لأن الأحكام السلطانية أنيطت بإمام، هو سلطان وحاكم، ويقوم بمقاصد الإمامة، وليس بجماعة أو حزب هو جزء من الأمة.
- وفي حالة الرأي بالالتحاق بدار الحرب مثل القتل، ومصادرة ماله وتوزيعه على ورثته، أو أنه وضع في مصالح الناس، ثم بعدها جاء الرجل تائباً وعائداً إلى الدين الإسلامي، فإنه لا يعود إليه المال الذي أنفقوهُ بقرارٍ من المحكمة المستقلة، ولكن يعود هذا المال إليه في حالةٍ أخرى إذا صودر منه بغير طريق المحكمة.
فقال ابن قدامة: وجعل أهل العراق “الحنفية” لحاقه بدار الحرب كموته، في زوال ملكه، وصرف ماله إلى من يصرف إليه إذا مات، فإن عاد إلى الإسلام، فله ما وجد من ماله، ولا يرجع على ورثته بشيء ممّا أتلفوهُ، إلا أن يكونوا اقتسموه بغير حكم حاكم. - أما في حالة أنه باع أملاكه في الواقع بالردة، فالقول في هذا الأمر على ما ذكر بيانه في حكم تصرف المرتد لماله، فهذا باطل من قول، وصحيح من قول آخر وموقوفٌ على قول، ومن الأرجح أن يأخذ برأي المذهب الذي فيه مصلحةٌ الثورة والأنفع لها، وأن لا يتدخل فيها إلا محكمة مستقلة، وأن لا تنفرد الفصائل بها.