الفتن وعلامات الساعة الصغرى:
هناك عدة فتن ظهرت وأخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها من علامات الساعة الصغرى مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وموقعة الجمل، وموقعة صفّين.
مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه:
لقد كان ظهور الفتن في عهد الصحابة رضي الله عنهم بعد مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فإنه كان باباً مغلقاً دون الفتن، فلما قُتل رضي الله عنه؛ ظهرت الفتن العظيمة، وظهرت دُعاتها ممن لم يتمكن الإيمان من قلبه، وممّن كان من المنافقين الذين الذين يظهرون للناس الخير، ويُبطنون الشر والكيد لهذا الدين.
ففي الصحيحين” عن حذيفة رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: أيكم يحفظُ قول رسول الله عليه الصلاة والسلام في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هاتِ؛ إنك لجريء. قال الرسول عليه الصلاة والسلام”فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفّرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليست هذه، ولكن التي تموجُ كموج البحر. قال: يا أمير المؤمنين! لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: يُفتح الباب أو يُكسر؟ قال: نعم؛ كما أن دون غدٍّ الليلة، إني حدثتهُ حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقاً، فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر؟” صحيح البخاري.
وكان ما أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، فقد قُتل عمر، وكُسرَ الباب، وظهرت الفتن، ووقع البلاء، فكان أول فتنة ظهرت هي قتل الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان على يدّ طائفة من دُعاة الشر، الذين تألبوا عليه من العراق ومصر، ودخلّوا المدينة، وقتلوه وهو في داره رضي الله عنه.
وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام لعثمان رضي الله عنه أنه سيصيبُه بلاءٌ، ولهذا صبر ونهى الصحابة عن قتال الخارجين عليه؛ كي لا يُراق دمٌ من أجله رضي الله عنه. ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرج النبي عليه الصلاة والسلام إلى حائطٍ من حوائط المدينة، فذكر الحديث إلى أن قال: فجاء عثمان، فقلتُ: كما أنت؛ حتى أستأذن لك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ائذن له، وبشّره بالجنة معها بلاءٌ يُصيبهُ” صحيح البخاري.
وخصّ النبي عليه الصلاة والسلام عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضاً؛ لكون عمر لم يمتحن بمثلِ ما امتُحن به عثمان، من تسلّط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور والظلم، بعد إقناعه لهم، ورّده عليهم”.
وبمقتلِ عثمان رضي الله عنه انقسم المسلمون، ووقع القتال بين الصحابة، وانتشرت الفتن والأهواء، وكثر الاختلاف، وتشعبت الآراء، ودارت المعارك الطاحنة في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعلم ما سيقع من الفتن في زمنهم؛ فإنه أشرف على آطام المدينة، فقال:” هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا، قال: فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر”. صحيح مسلم. كتاب الفتن وأشراط الساعة.
قال النووي: والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم؛ أي: أنها كثير، تعمّ الناس، لا تختصّ بها طائفةٌ، وهذا إشارةٌ إلى الحروب والجارية بينهم؛ كوقعةِ الجمل، وصفّين، والحرّة، ومقتل عثمان والحسين رضي الله عنهما، وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له عليه الصلاة والسلام”. شرح النووي لمسلم.
موقعة الجمل:
ومن الفتن التي وقعت بعد قتل عثمان رضي الله عنه ما وقع في معركة الجمل المشهورة بين علي رضي الله عنه وعائشة وطلحة والزُبير رضي الله عنهم؛ فإنه لما قُتل عثمان؛ أتى الناس عليّاً وهو في المدينة، فقالوا له: أبسُط يدك نُبايعك، فقال: حتى يتشاورَ الناس، فقال بعضهم: لئن رجع الناس إلى أمصارهُم بقتل عثمان، ولم يقم بعده قائمٌ، لم يؤمن الاختلاف وفساده الأمة. فألحّوا على عليّ رضي الله عنه في قبول البيعة، فبايعوه، وكان ممن بايعه طلحة والزبير رضي الله عنهما، ثم ذهباً إلى مكة للعمرة، فلقيتُهم عائشة رضي الله عنها، وبعد حديثٍ جرى بينهم في مقتل عثمان توجّهوا إلى البصرة، وطلبوا من عليّ أن يسلّم لهم قتله عثمان، فلم يجبهم؛ لأنه كان ينتظر من اولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحدٍ بعينه أنه ممن قتل عثمان، اقتصّ منه، فاختلفوا بسبب ذلك، وخشي من نُسب إليهم القتل، وهم الخارجون على عثمان أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشّبوا الحرب بين الطائفتين.