ما هي بيعة المهدي والخسف الذي يتبعها؟
أولاً: عن عائشة رضي الله عنها قالت: عبثَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم في منامه فقُلنا يا رسول الله! صنعتَ شيئاً في منامك لم تكن تفعلهُ! فقال: “العجبُ أنَّ ناسًا مِنْ أُمَّتي يَؤُمونَ البيتَ لِرَجُلٍ مِنْ قريشٍ، قَدْ لَجَأَ بالبيْتِ، حتَّى إذا كانوا بالبيداءَ ُخُسِفَ بِهم، فيهم المسْتَبْصِرُ، والمجبورُ، وابنُ السبيلِ، يَهْلِكونَ مَهْلَكًا واحدًا، ويَصْدُرونَ مصادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللهُ على نِيَّاتِهِمْ” أخرجه مسلم.
ثانياً: عن عُبيد الله ابن ابن القبطيةِ قال: دخلَ الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معها أمّ سلمة أمّ المؤمنين فسألها عن الجيش الذي يخسفُ به وكان ذلك في أيّام ابن الزبير، فقالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “يَعُوذُ عائِذٌ بالبَيْتِ، فيُبْعَثُ إلَيْهِ بَعْثٌ، فإذا كانُوا ببَيْداءَ مِنَ الأرْضِ خُسِفَ بهِمْ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، فَكيفَ بمَن كانَ كارِهًا؟ قالَ: يُخْسَفُ به معهُمْ، ولَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَومَ القِيامَةِ علَى نِيَّتِهِ. وفي حَديثِهِ: قالَ فَلَقِيتُ أبا جَعْفَرٍ، فَقُلتُ: إنَّها إنَّما قالَتْ: ببَيْداءَ مِنَ الأرْضِ، فقالَ أبو جَعْفَرٍ: كَلّا، واللَّهِ إنَّها لَبَيْداءُ المَدِينَةِ”. أخرجه مسلم.
ثالثاً: عن أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “يَكونُ اختِلافٌ عندَ موتِ خليفةٍ، فيَخرُجُ رَجُلٌ مِن أهْلِ المدينةِ هارِبًا إلى مكَّةَ، فيأتيهِ ناسٌ مِن أهْلِ مكَّةَ، فيُخْرِجونَهُ وهو كارِهٌ، فيُبايِعونَهُ بيْن الرُّكْنِ والمَقامِ، ويُبعَثُ إليهِ جَيشٌ مِنَ الشَّامِ، فيُخسَفُ به بالبَيْداءِ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، فإذا رأَى النَّاسُ ذلكَ أَتاهُ أَبدالُ الشَّامِ وعَصائِبُ أهْلِ العِراقِ فيُبايِعونَهُ، ثُمَّ يَنشَأُ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ، أخوالُهُ كَلْبٌ، فيَبْعَثُ إليهِم بَعْثًا، فيَظهَرون عليهِم، وذلكَ بَعْثُ كَلْبٍ، والخَيْبةُ لمَن لَمْ يَشْهَدْ غنيمةَ كَلْبٍ، فيَقْسِمُ المالَ، ويَعمَلُ في النَّاسِ بسُنَّةِ نبيِّهِم، ويُلْقي الإسلامُ بجِرانِهِ في الأرضِ، فيَلْبَثُ سَبْعَ سِنينَ، ثُمَّ يُتَوفَّى ويُصَلِّي عليه المُسْلِمون”. أخرجه أبو داود.
رابعاً: عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي رضي الله عنه: هيهات ثم عقد بيده سبعاً فقال ذاك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قتل فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب ويؤلفُ الله بين قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر قال أبو الطفيل قال بن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم قال: إنه يخرج من بين هذين الخشبتين، قلت: لا جرمَ والله لا أريهُما حتى أموت فمات بها يعني مكة حرسها الله تعالى.
أحداث بيعة المهدي:
إنّ هذه النصوص (الأحاديث السابقة) هي أهم النصوص التي تتحدث عن بيعة المهدي وما يتبع ذلك من أحداث، ولنا مع هذه النصوص عدة وقفات وهي:
- يتضح من بعض الأحاديث خاصة حديث أم سلمة، وهو أنّ بداية التحرك لبيعة المهدي تكون بعد موت خليفة، وقد جاءت اللفظة غير معرفة، ممّا يُشير ذلك إلى أنّ هناك مُلك في ذلك الزمان يقوم على التوارث واستخلاف الملوك لبعضهم البعض وليس المراد بهذه الكلمة خليفةً المسلمين جميعاً، إذ لو كان كذلك لجَاءت كلمة خليفة معرفة بأل وذلك للدلالة على الخليفة المعهود للمسلمين.
- يتضح من رواية الإمام علي أنّ المهدي يخرج في مرحلة تكون الحرب على دين الله سبحانه وتعالى على أشدها لدرجة أنّ من يقول الله الله يقتل، ويعزز هذا الأثر ما ورد من انتشار الظلم والجور في الأرض، وأعظم الجور هو بمحاربة أهل الله سبحانه وتعالى في الأرض.
- يتضح من أكثر الروايات أن بداية خروج المهدي ومعرفته يكون عند بيعته بين الركن والمقام، أما قبل ذلك فيكون رجلاً مغموراً، وهذا لا يتعارض إلا ظاهراً مع الحديث الوارد بأن الرايات السود التي تخرج من خراسان فيها خليفة الله المهدي؛ لأنه يمكن حمل تلك الرواية على أنّ هذا الجيش الذي يخرج من خراسان فيه الأنصار والممهدون لتمكين خليفة الله المهدي في الأرض وقد سبق بيان ذلك.
- يتضحُ من الروايات بأن الذين يبايعون المهدي ويُقال أنّ عددهم الأولي كعدة أهل بدر، يلجئون إلى البيت الحرام بقصد المتعة والأمان على أنفسهم بحرمِ الله سبحانه وتعالى، ويلاحظ أنّ هؤلاء عند بداية بيعتهم لا يكونون من أهل المنعة والسلاح والعدة، بل يكونون مجردين من السلاح والمنعة، ممّا يشير إلى أن هذه البيعة قد وقعت دون إعدادٍ مسبق أو حساب للنتائج المترتبة عليها، ويحتمل الأمر أنهم يكونون على بينةٍ من أمرهم لدرجةٍ يقينيةٍ تعزز عندهم أن هناك نصرةً ربانيةً خاصة لهم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، لذا لم يلتفتوا للنتائج، ولم يعدوا العدة لها، وإنما لجئوا إلى بيت الله وفي كنفه، وكذلك يمكن استنباط فائدة في غاية الأهمية، وهي أنّ هؤلاء هم أصحاب رسالة، وليسو أصحاب أغراض سياسيةٍ أو مأرب شخصيةٍ، وهم أولى الناس في احترام تعاليم الإسلام وقدسية البلد الحرام، لذا يحرصون على عدم استحلال البيت أو جعله ساحةً للقتال، وهذا الالتزام المبدئي عندهم كان سبباً في أن يتوكل صاحب البيت بعقاب المعتدين على بيته بخسف الأرض من تحتهم.
- ويتضح أن هذه البيعة يكون لها ضجتها في الأرض حتى يحرك لأجلها جيش من الشام يتضمن ثلاثة أصناف، الصنف الأول المستبصرون، وهم علية القوم ممن يحادون الله ورسوله، ويجتهدون لبكيت أهل الله في الأرض أينما كانوا. والصنف الثاني، وهم المُجبرون على السير مع الجيش حسب أنظمة هذا الزمان، وهؤلاء هم الكارهون لغزو بيت الله الحرام، والصنف الثالث عابروا السبيل ممن يقدر الله سبحانه وتعالى أن يكونوا قريبين من هذا الجيش ساعة الخسف.
- وكذلك يعتبر هذا الخسف هو العلامة الأقوى في الدلالة على أن العائذين بالبيت هم المهدي وأنصاره كما أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، لذا يتحرك أهل الله خاصة من الشام ومن العراق نحو مكةَ لبيعة المهدي، وبذلك تتم البيعة، تكتمل البذرة الأولى لجيش العالمية الثانية للإسلام في آخر الزمان، ولا ننسى أنه يكون للمهدي أيضاً أنصار من جهة المشرق يتحركون صوب إيلياء ويُمهدون له الإمامة في نفس الوقت.
- غنيمة كلب: إن الملاحظ من حديث أم سلمة أنه أشار إلى وقعة المهدي وأنصاره من جهة وبين رجل قرشي أخواله من قبيلة كلب، وهذه الوقعة تعتبر أولى الملاحم التي يخوضها المهدي، ويتضح من سياق الحديث أنّ المعركة عظيمة ومفصلية، ولعله يترتب عليها انتقال ملك المهدي للشام أو تكون ممهدة لذلك، ويتضح أيضاً أنه يترتب عليها بعد انتصار المهدي غنائم كثيرةً تنالها الطائفة المنصورة من المعركة؛ لذا جاء الترغيب في خوض هذه المعركة والمشاركة فيها بقول النبي عليه الصلاة والسلام الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب. وقد أشار الحديث إلى أنّ الإسلام يلقي بجرانهِ في الأرض للدلالة على التمكين الذي يحظى به المهدي بعد ذلك حتى يعم الإسلام الأرض.